الأطباء الأرمن في الموصل

تميز مسيحي في  موسوعة الأطباء والصيادلة الموصليون الموهوبون في القرن العشرين  

إصدار هام ومتميز يسلط الضوء على ابرز  النخب الطبية التي  أقرنت تفوقها العلمي وتميزها في حقل المهنة الإنسانية الى جانب امتلاكها لمواهب ثقافية إبداعية  رسخت بها بصمتها في حقل الثقافة والفنون ..هذا الاصدار الذي يضعه الدكتور محمود الحاج قاسم محمد بعنوان (الاطباء والصيادلة الموصليون الموهوبون في القرن العشرين) وهو من إصدارات نقابة الاطباء فرع نينوى  يتتبع من خلاله المؤلف أهم المواهب التي امتلكها العديد من النخب الطبية حيث يقتفي سيرهم ويشير الى ما امتلكوه من مهارات اقرنوها الى جانب تفوقهم في حقل الطب.

ويستند الكتاب على  أربعة فصول  يستهلها المؤلف بإدراج سير ذاتية وابداعية للاطباء الموصليون والصيادلة الأدباء  ويذكر منهم الدكتور سليمان غزالة  والدكتور عبد المنعم مصطفى الطائي  وفاضل الصيدلي والدكتور نبيل  نجيب فاضل و الدكتور نشوان قحطان محجوب والدكتور وليد الصراف اما الفصل الثاني من الكتاب  فيؤشر الى نخبة من الاطباء  الموصليون الذين اشتهروا الى جانب  ممارستهم لمهنة الطب ببحثهم في بطون التاريخ حيث يذكر المؤلف في هذا الفصل كلا من الدكتور حازم البكري والدكتور داؤد الجلبي والدكتور سالم الشماع والدكتور عادل البكري والدكتور فيصل دبدوب والدكتور كريكور استرجيان  والدكتور محمود الحاج قاسم  وفي الفصل الثالث يتابع المؤلف في تعقبه للاطباء  والصيادلة  الموصليون من مؤلفي الكتب الإسلامية  اما الفصل الرابع فيحوي فيه عدد من الدكاترة ممن قدموا عصارة فكرهم الطبي في مؤلفات تخصصية فضلا عن الصيادلة، ومنهم الدكتورة أسماء الجوادي والدكتورة الهام خطاب والدكتور  اياد الرمضاني والصيدلي باسل محمد يحيى والدكتور حنا الخياط والدكتور رعد البكوع والدكتور سالم الدملوجي والدكتور سمير الحمداني  وآخرون.

تميز مسيحي

وفي سياق الكتاب نتابع الكثير من الاطباء المسيحيين ممن تفوقوا في مجال  الادب حيث يشير المؤلف في اولى الشخصيات الواردة في كتابه الى الدكتور  سليمان غزالة  حيث تشير سيرته الذاتية الى انه طبيب وكاتب وشاعر ولد في الموصل  في 21 ايلول عام 1853 لابوين متوسطي الحال، وكان والده من مثقفي واعيان مسيحيي الموصل كما كانت اسرته تتمتع بثقافات وافاق واسعة ولعل هذا ما دعاه الى متابعة دراسته في الخارج اضافة لاستعداده الفطري لتعلم اللغات الاجنبية، ودرس على يد الاباء الدومنيكان في الموصل ثم عند الاباء اليسوعيين في بيروت وبعد انهائه الدراسة الثانوية دخل جامعة باريس  عام 1880 وفي سنة 1886 حصل على درجة الدكتوراه في الطب وبدرجة الشرف وهو شيء مميز ونادر في كلية طب باريس ودفعه طموحه لمواصلة المثابرة  في فرنسا فعمل لمدة سنة في معهد باستور بباريس وسلط المؤلف الضوء على نشاطه في حقل الطب حيث اشار الى ان غزالة كان  من ابرز المؤيدين  لانشاء كلية الطب العراقية  وبعد افتتاح الكلية سنة1927 عين غزالة استاذا فيها، واستمر في عمله حتى وافاه الاجل  بتاريخ 18 تشرين الاول من العام 1929 ودفن في بغداد.

وفي سياق الكتاب اشار المؤلف الى نشاط الدكتور سليمان غزالة  الثقافي لاسيما مؤلفاته فذكر ان الدكتور غزالة  اهتم بنشر المقالات الطبية الثقافية للجمهور العربي  خصوصا بما يتعلق بالوقاية من الأمراض المعدية  أما مؤلفاته فاستطاع المؤلف ان يحصي 26 كتابا منها وهي  مؤلفات مطبوعة في ايران ويبلغ عددها أربعة، وهي سوانح الكلم واعاجم الحكم الصادر في 1915 وسوانح الفكر  ما بسامي العشق من عبر الصادر عام1915 وكتاب السبيل الاقصد لنهج التمدن الارشد  وصدر في طهران عام 1917 ومجموعة شعرية حملت عنوان لهجة الأبطال، أما مؤلفاته التي صدرت في بغداد فبلغ عددها 22 كتابا ومنها  الحياة الاجتماعية  الذي صدر عام 1924 والمعضلة الأدبية وخلاصة أركان الاقتصاد السياسي الصادر في 1926 وفي الحرية فلسفيا ونظريا الى الحياة الاجتماعية  صدر في عام 1924 ومعضلة العادة ومعضلة الهوى  والحب  البشري نظما الذي صدر عام 1927 و الحب البشري نظرا الى الحياة الاجتماعية الصادر في عام 1926 كما يذكر المؤلف في سياق إشاراته لمؤلفات الدكتور سليمان غزالة بعضا من نشاطات  زوجته الفرنسية والتي كانت تتقصى من خلالها  أسباب تخلف الفتاة عن التعليم وسبل النهضة والثقافة  والمشاكل التي تحول أمامها  في إكمال مسيرتها التعليمية.

وفي سياق الفصل الثاني من الكتاب يذكر المؤلف عددا من الاطباء الموصليون ممن اهتموا بالتاريخ ومن بينهم الدكتور كريكور استرجيان الذي يذكر عنه المؤلف انه الطبيب الموصلي المعروف والارمني الأصل. ويستند المؤلف على المعلومات الشخصية للدكتور استرجيان من خلال  مذكرات الأخير التي صدرت بعنوان الدكتور استرجيان 1885-1985 والصادرة في لبنان عام 2004 والدكتور استرجيان من مواليد مدينة كرمانيك  من اعمال كليكيا بتركيا في سنة 1885 اكمل دراسته الثانوية في اورفا  ودخل كلية الطب في دمشق عام 1906 فيما يكشف المؤرخ الموصلي المعروف معن عبد القادر ال زكريا  واستنادا لاوراق شخصية  بالدكتور استرجيان بانه من مواليد مدينة مرعش التركية  سنة 1880 وقدم الدكتور استرجيان الى العراق عام 1914 وحصل على الجنسية العراقية في العام نفسه وفي سنة 1959 قصد بيروت واقام فيها حتى وفاته عام 1985 ويستطرد المؤلف بالإشارة الى أهم أعمال الدكتور استرجيان وسيره عمله في حقل الطب الا انه يتعمق في القصر المعروف الذي حمل اسمه والذي كان قريبا من جامع النبي يونس (ع) حيث يذكر المؤلف عن القصر انه عد من أهم معالم الجانب الأيسر من مدينة الموصل  وبناه الدكتور استرجيان على الطراز الارمني الروماني القريب من طرز العمارة الصينية واليابانية  واستضاف القصر عدة شخصيات سياسية مهمة من بينها  شاه إيران رضا بهلوي  وقائد الحركة التحررية والمعروفة  بثورة مايس 1941رشيد عالي الكيلاني  والمؤسف ان القصر هدم قبل عدة سنوات بعد بيعه  ومن مؤلفات استرجيان الدكتور  يذكر المؤلف  كتاب تاريخ الامة الارمنية  الذي صدر في عام 1951 وتاريخ الثقافة والادب الارمني  من القرن 15 الى أواخر الربع الأول للقرن العشرين  والذي صدر في عام 1954 وخواطر وقصص حملت عنوان الآم وأحلام صدرت في بغداد عام 1957 وتاريخ الأدب والحضارة العربية الذي وضعه باللغة الارمنية  وصدر في بيروت عام 1970 . ويشير المؤلف الى ان الدكتور استرجيان وضع الى جانب تلك المؤلفات عددا من الكتب باللغة الارمنية لم يجر الإشارة اليها الا ما يؤسف له وعلى  ذمة المؤلف انه عندما توفي الدكتور استرجيان هجم البعض على قصره وعبثوا بأوراقه وقد اطلع احدهم المؤلف  على بعضا من الرسائل الشخصية للدكتور استرجيان ومنها رسالة مرسلة من ابنه “نوبار” .

وفي سياق الفصل الرابع يذكر المؤلف عددا من الاطباء الموصليون من وضعوا كتبا طبية ومنهم الدكتور حنا خياط الذي يعرفه المؤلف بانه يعد اول وزير صحة  في الحكومة العراقية  وقد ولد في مدينة الموصل في العاشر من كانون الأول من سنة 1884 وسط اسرة جمعت بين الدين والتجارة  ودرس خياط على يد الاباء الدومنيكان فيما اكمل دراسته الاعدادية والأكاديمية على يد الآباء اليسوعيين في بيروت ونال شهادة البكالوريوس في  العلوم والآداب  من كلية الطب الفرنسية  في بيروت عام 1903 بعدها سافر الى  تركيا ومن ثم فرنسا  وحصل على شهادة التخصص من جامعة باريس عام 1908 وانتخب عضوا في الجمعية الطبية والجراحية  في بروكسل  وتعمق المؤلف في الإشارة الى حياة خياط المهنية  والعلمية  وسرد بعضا من اثاره في تطور علم الطب في العراق  منتهيا الى إيراد بعض مؤلفات الدكتور خياط الطبية  والتي اختصت في حمى التيفوئيد وتناقص النفوس في العراق أسبابه وطرق تلافيه الذي صدر عام 1923..

كما في سياق هذا الفصل يسلط الدكتور محمود الحاج قاسم في متن مؤلفه الضوء على الدكتور  عبد الله قصير  الذي يعد أول طبيب اختصاصي واول استاذ بطب الاطفال في العراق ولد في الموصل عام 1887 وعمل اهله في مجال الزراعة حتى اوائل القرن العشرين  حيث اتجه معظم افراد اسرته للدراسة  الأكاديمية حيث تعد أسرته من اعرق الأسر في مدينة الموصل  وكان جده داؤد أغا قصير  مندوبا عن الموصل في المجلس النيابي العثماني  أما الدكتور عبد الله فدرس  الابتدائية في مدارس الموصل ولعدم وجود إعدادية في المدينة اضطر للسفر للدراسة في ديار بكر في تركيا  والتحق بعدها في كلية طب الجامعة الأميركية في بيروت وحصل أيضا على درجة الاختصاص في طب الاطفال من جامعة لندن لذلك يعد أول طبيب اختصاصي في طب الاطفال في العراق ومن نشاطاته الثقافية ومؤلفاته يذكر المؤلف انه قدم كتاب دليل الطفل الذي كان يدرس في مدارس العراق  ..

كما يتابع المؤلف سير بعض الأطباء ممن أبدعوا في مجال المؤلفات الطبية حيث يتحول الى عدد منهم ومن بينهم يبرز الدكتور موسيس دير هاكوبيان الذي تبدو سيرته مقتضبة ومختصرة حيث يعزوها المؤلف الى عجزه عن العثور على ترجمة كاملة لحياته ويكتفي بالإشارة الى أن الدكتور هاكوبيان تخرج من كلية طب جامعة بغداد سنة 1937 وكانت له عيادة خاصة في شارع نينوى بالموصل منذ عام 1944 وله كتاب عن حالة العراق الصحية في نصف قرن حيث صدرت طبعته الاولى عام 1948.

الكتاب  الذي وضعه الدكتور محمود الحاج قاسم والذي يشير من خلاله الى  نخب مميزة  استطاعت ان تمزج بين إبداعها المهني في حقل الطب الى جانب تركها لاثار مهمة في فضاء الابداع العلمي والثقافي  وما الكتاب الا محاولة للعرفان والتكريم لجهود الاطباء الذين استطاع قاسم ان يدون سيبرهم العطرة في الكتاب الذي  صدر بـ(258)صفحة من القطع المتوس

الموصل –عنكاوا كوم –سامر الياس سعيد

Share This