أستاذ الرياضيات الأرمني في جامعة هايكازيان يصمم صاروخ “أرز” قبل 50 عاماً

فيلم “النادي اللبناني للصواريخ”، السينما تصلح ما أفسدته السياسة

السينما اللبنانية “مصورخة” هذه الفترة، وأفلامها عديدة بين جيد ومقبول، طويل وقصير، روائي ووثائقي مثل شريط الثنائي جوانا حاجي توما وخليل جريج “النادي اللبناني للصواريخ “الفائز بجائزة مهرجان “تريبكا” الدوحة  السينمائي الرابع، والمشارك أخيرا في مهرجان “أيام بيروت السينمائية”.

صحيح ان السينما الهوليوودية سبقتنا منذ الستينات مع افلام عديدة فضائية وعلمية خيالية لا تعد ولا تحصى، لكن اهمية الشريط الوثائقي الطويل “النادي اللبناني للصواريخ” أنه فاجأنا بحقيقة جميلة ممحوّة تماماً من الذاكرة الجماعية اللبنانية. وقائع تاريخية مذهلة كنا نجهلها تماماً، تؤكد بالوثائق والصور الارشيفية أن لبنان حاول غزو الفضاء منذ الستينات. نعم لبنان حاول غزو الفضاء حتى قبل ان يطأ نيل ارمسترونغ بقدمه سطح القمر بتسعة اعوام تقريباً. عام 1960 تشكّلت مجموعة عرفت باسم “النادي اللبناني للصواريخ”، قوامها أستاذ الرياضيات في جامعة هايكازيان مانوك مانوكيان الذي رغب مع مجموعة من طلابه في تصميم صاروخ لأهداف علمية بحتة. هذا الحدث الاستثنائي تلته تجارب عديدة لصواريخ وصل مداها الى 600 كلم وكاد احدها أن يسقط على سفينة حربية قبرصية، مما دفع بريطانيا الى الاحتجاج رسمياً ضد لبنان أمام مجلس الامن. وطبعاً أثار هذا المشروع الفخر في نفوس اللبنانيين، والذعر في نفوس الدول المجاورة، وخصوصاً اسرائيل، فلبنان سبقها في مجال صناعة الصواريخ. لاحقاً دخل الجيش اللبناني على خط الشراكة بعدما تحوّلت صناعة الصواريخ من مشروع علمي الى مشروع وطني، وحملت يومها الصواريخ اسم “أرز”. لكن اعتدنا في لبنان، ويا للأسف، أن تغتال السياسة احلامنا، وتعيدنا عشرات الاعوام الى الوراء،  فقد اصدر الرئيس فؤاد شهاب قراراً بوقف المشروع عام 1964 وإغلاق المختبر لأسباب… سياسية وأمنية. لكن لحسن الحظ أن ما تفسده السياسة تنقذه السينما اللبنانية الحاضرة لتكشف النقاب عن تلك الحقائق الزاهية.

فمن خلال صورة قديمة لطابع بريدي وبضعة اسطر ممحوّة في كتاب قديم، علم الثنائي جوانا حاجي توما وخليل جريج بقصة مشروع الصواريخ. وبما انهما شغوفان برواية القصص بعين كاميرتهما، بدآ البحث الميداني الدقيق وتمكنا من ايجاد مطلق المشروع الاستاذ مانوك مانوكيان الذي يقيم في اميركا والذي اغنى شريطهما بصور وتسجيلات فريدة اعتبرت المصدر الرئيسي لهذا الشريط الجميل والمتقن الصنع والمفاجئ بموضوعه المبتكر والمختلف عن كل ما قدمت السينما اللبنانية سابقاً. وقد قدم الزوجان المخرجان هذه الابتكارية من خلال فيلم لا يندرج مطلقاً في خانة الوثائقي التقريري البحت، بل هو عابق بالشغف والفخر والنوستالجيا والعلم الخيالي والتاريخ. تاريخ توقظه وثائق وصور معاد تركيبها ترصد عبر مقابلات وشهادات من شخصيات شاركت في تلك المغامرة، عظمة الحلم الذي تمنى الجميع في السابق تحقيقه، والذي يعتبر مجرد محاولة تحقيقه بارقة أمل يحتاج اليها شعبنا المرهق بكل ما يشدّه الى الوراء اليوم. الفيلم المتميّز ينتهي برسوم انيمايشن من اعداد فنان الرسوم المتحركة غسان حلواني، تحمل الغصة الى القلوب لأنها تظهر لنا لبنان علمي خيالي مستقبلي متطور جداً باقماره الصناعية ومركباته الفضائية. لبنان لم تمر الحرب عليه، والعلم يحل مكان السياسة على ارضه. لبنان الماضي، ويا للأسف، كان يمكن أن يكون هذا الـ “لبنان” المستقبلي لو لم يتم وقف مشروع الصواريخ، لكن المشروع ألغي ولبنان الحاضر لا يزال يتخبط في مشكلاته التي تتراجع به مئات الاعوام الضوئية عن التقدم والحضارة. فهل تكفي شمعة السينما في إضاءة الظلمة؟ وهل يكفي قيام المخرجين ببناء مجسّم بالحجم الأصلي لصاروخ “أرز 4” ووضعه في باحة جامعة هايكازيان، لإعادة اشعال بارقة الامل في نفوسنا؟ تساؤلاتنا ستبقى معلّقة  ووحده فيلم “النادي اللبناني للصواريخ” سيعلق في ذاكرة السينما اللبنانية طويلاً.

جوزفين حبش

النهار

Share This