عازف الدودوك… في ذكرى 24 أبريل: الإبادة الجماعية للشعب الأرمني

من على جبل آرارات، أتأمل وجه أرمينيا المطل على الشرق ببطاقة هوية تاريخها 24 نيسان من كل عام: صبية كاملة الأنوثة في الثامن والتسعين من عمر وشم المجزرة على كفّها، تصلّي لإلهٍ تأخر عن موعد عودته، حين خرج مع الناجين من بندقية المحتل، ونصب خيمة في الشتات وظل يبكي. من آرارات، أحصي من بقي ليروي القصة، أسمع مشدوتس يعلم الأطفال أبجديتهم، وأراقب فرح المسيح بعرشٍ على أرضٍ أدفأ من الصليب، وأحاول أن أفهم كيف لم يتعب القتيل بعد من موته، ولم يخجل القاتل من فعلته.

مليون شجرةٍ في أرض الأرمن، في الهضاب النائمة خوفاً من صوت النار وزحمة الجزارين، مليون شجرةٍ بين الأناضول ويريفان، مزروعة بخناجر الفلاحين، بأهازيج الأعراس الشعبية، بأجراس الكنائس، بألعاب الأطفال التي تُركت على عجل، بصندوق اللغة المقفل على الحنين في مدن الشتات، مزروعة أشجار أرمينيا بالصبر، بالمخرز في عين المتّهم تهمةً: أنت قاتلي!

أسمع الدودوك، على قارعة نشيد الثورة، أسمع الدودوك، حزيناً كزهر البنفسج يتنزه فوق خد بحيرة سيفان، حزيناً كتاريخ البلاد، كالأياد المقطعة في المجزرة، والتي لم تلوح للراحلين إلى المنفى، كالنساء المصلوبات من جفونهن المفتّحة على الحقول كزهر الزنبق في نيسان، حزينٌ هذا العزف في أرض الأرمن، ثمة من يبكي دوماً في أرمينيا… ثمة دائماً من يبكي بين يريفان والقدس.

يا عازف الدودوك في أرمينيا، غنِّ لشعوبٍ تعيش على غيظ المحتل من صورته في مرآة الجريمة.

غنِّ لعلّ المعلقين في الصحراء منذ مئة عام، ينزلون عن خشباتهم، ويلبسون فستان العيد ويمسكون درب الرجوع.

غنِّ، لعلّ العالم يستحِ قليلاً، فينصف من لا يريد إلا أن يعزيه أخوته بقتلاه، ولا يسألونه عن لون دمهم.

غنّ يا عازف الدودوك، فأنتَ بعضٌ من علامات الربيع في كل سنة: لا زالت أرمينيا على الخريطة، لا زال الأرمن يزينون بلاد الشرق بالأمل والطيبة، لا زلنا أحياء، والقضية أيضاً!

تركيا ليست دولة، ليست كياناً، ليست وطناً، تركيا هي فكرة النظام وصورة كل دولة، هي فرع من فروع المسلخ الممتد من زوايا الأرض إلى زواياها، تركيا هي البشري القاتل في فظاظته، في ابتهاجه بحفلة الذبح، وهي غرور المنتصر على جسد، والمهزوم أمام الذاكرة، هي هذه وأقل قليلاً: مسلخ الشعب وخصم التاريخ الذي لا يبالي.

خضر سلامة

Share This