98 عاماً … والقضية مستمرّة

بقلم هاغوب ترزيان، عضو مجلس بلدية بيروت

منذ ما يقارب المئة عامٍ، شهد تاريخ البشرية إحدى أبشع وأوسع المجازر، مجزرة اتخذت شكل الإبادة الجماعية بحق شعبٍ طيِّبٍ ومسالمٍ ذنبه أنه يرفض الذلَّ ولا يرضى بالعبودية، شعب انقضَّ عليه الشر والجهل تشريداً وقتلاً واغتصاباً، في محاولة لمحوه من الذاكرة وشطبه عن الخريطة، فسقط ما يربو على المليون ونصف المليون شهيد… ولكن مشروع الغدر فشَّلته العزائم.

اليوم وبعد مرور 98 عاماً على المجازر الأرمنية، لا تزال الحضارة والتراث واللغة والقيم الأرمنية حية في نفوس ومسلكيات هذا الشعب الأبيّ، الذي نقل عدوى المحبة والسلام الى شعوب المنطقة كافة وبخاصة الى لبنان الحبيب.

لم تقوَ الفظاعات التي ارتكبت بحق هذا الشعب، على هَوْلِها، أن تنال من عزيمته، فنهض من كَبْوَتِهِ كطائر الفينيق، ونفض تراب الموت عن جَناحَيه وحلَّقَ عالياً في سماء التقدم والازدهار، تاركاً لِجَلَّادِيه أن يُعَفِّرُوا وجوهَهم بتراب حقدِهم وإثمِهم.
إن جرح الشعب الأرمنيِّ لن يلتئم إلا بإحقاق الحق والعدالة، أي بالاعتراف العالمي بالمجازر، وبدفع الحكومة التركية التعويضات المناسبة كخطوة أولى على درب المصالحة التاريخية الشجاعة مع الشعب الأرمني.

إن الحق يستصرخ ضمير حكومات العالم أجمع أن تعترف بالمجازر المرتكبة من الأتراك بحق الشعوب الأرمنية والآشورية والسريانية، منعاً لتكرارها. والا فإن الحكومات التي ترفض الاعتراف بهذه المجازر، تعتبر شريكة معنوية بتكرار أي إبادة جماعية في أي بقعة من بقاع الأرض.

أما اليوم وفي الذكرى السنوية الثامنة والتسعين للمجازر الأرمنية فنتوجَّهُ بتحية إجلال وإكبار لمن غلب الموت والتهجير بعناده وحبه للحياة، ولمن صار، أينما حلَّ، مركز إشعاعٍ ثقافيٍّ وأخلاقي واقتصادي. إنهم اجدادنا الذين نفتخر بهم افتخارنا بهويتنا اللبنانية.

ستبقى القضية الأرمنية حية في قلوبنا ومحركة عملنا اليومي وملهمتنا في الحفاظ على هويتنا وفي نضالنا الإنساني. علّ شهادة الشعب الأرمني تكون فداءً عن شعوب العالم أجمع، فتساعد على ترسيخ حقوق الإنسان، وبناء السلام العالمي، ومناهضة التطرّف وتحفيز الاعتدال والانفتاح وإرساء ثقافة المحبة.
نصلي، في هذه الذكرى الأليمة، لراحة أنفس شهدائنا، وبلسمة جراح شعبنا، كما نصلي لنصرة القضية الأرمنية.

 
البلد

Share This