الوطن السورية: “في ذكرى الإبادة الأرمنية”

يعتبر يوم الرابع والعشرين من نيسان يوماً لذكرى الإبادة الأرمنية حيث يتذكر الأرمن ومعهم الشعوب التي عاشت في كنف الدولة العثمانية بألم وأسى المجازر التي ارتكبها العثمانيون والاتحاديون الأتراك بحق الأرمن قبل نحو قرن حيث تقدر المصادر الأرمنية عدد الذين قتلوا في هذه المجازر بمليون ونصف المليون نسمة على حين تقدر المصادر التركية الرسمية هذا العدد بـ300 ألف أرمني.

بغض النظر عن الجدل بشأن الأعداد، فإن هذه المجازر تشكل وصمة عار في تاريخ الدولة العثمانية، نظراً لبشاعة حملات الإبادة والمجازر التي ارتكبت على امتداد الخريطة الأرمنية من كيلكية إلى جبال آرارات مروراً بطرابزون، فضلاً عن حملات الاعتقال والإعدام والتهجير ومصادرة الممتلكات وحرق القرى الأرمنية، إلى درجة أن هذه السياسة أدت إلى فرار نحو مليوني أرمني من موطنهم إلى سورية والعراق ولبنان وروسيا والدول الأوروبية وأميركا، والكثير منهم مات في الصحارى حيث هلك الأطفال والنساء وكبار السن على الطرقات ونتيجة الجوع والملاحقة. في سياسة لا يمكن وصفها إلا بالإبادة الجماعية، وهي سياسة أدت عملياً إلى إفراغ المناطق الأرمنية من أهلها الأرمن الأصليين وباقي الطوائف المسيحية، واللافت فيما جرى القضاء المنظم على جيل كامل من المثقفين الأرمن وحرق الكتب والتراث والتاريخ الأرمني، فبأوامر مباشرة من الزعماء الثلاثة طلعت باشا وأنور باشا وجمال باشا تم خلال ثلاثة أيام فقط إعدام المئات من المثقفين والسياسيين وأساتذة الجامعات الأرمن ولاسيما في مدينة اسطنبول. الغريب أن هذه المجازر التي طالت كذلك الكرد والآشوريين أنها جاءت في ظل الإعلان الدائم للعثمانيين والاتحاديين التزامهم بحماية الأقليات القومية والدينية والمذهبية، ورغم آلاف الكتب والوثائق التي تؤرخ هذه المجازر بالوقائع والتواريخ والأماكن والأسماء فإن الحكومات التركية المتتالية تتهرب من الاعتراف بالإبادة الأرمنية، وتضع القضية برمتها في إطار وقوف الأرمن إلى جانب روسيا في الحرب العالمية الأولى على حين يعرف المطلع أن السلطات العثمانية بدأت بهذه السياسة قبل هذا التاريخ في إطار سياسة رسمية دشنتها رسمياً مع نهاية القرن التاسع عشر، عندما لجأت السلطات العثمانية إلى فرض المزيد من الضرائب الباهظة على الأرمن باسم دفع الجزية وتهجيرهم من مناطقهم وإسكان الأتراك بدلاً منهم بعد وهبهم ممتلكات الأرمن، وكل من رفض ذلك كان مصيره الاعتقال والقتل والنفي. في الواقع، رغم النفي التركي والرفض الرسمي للإبادة الأرمنية إلا أن تركيا وتحت ضغط العديد من برلمانات دول العالم التي اعترفت بالإبادة الأرمنية وأصدرت قوانين بهذا الخصوص، وكذلك تحت الرغبة التركية في المصالحة مع أرمينيا لأسباب اقتصادية تتعلق بمد خطوط أنابيب النفط والغاز من القوقاز إلى أوروبا عبر تركيا، اتجهت في السنوات الأخيرة إلى نوع من التعامل مع قضية الإبادة الأرمنية من باب التاريخ وعلى أساس تشكيل لجان لبحث الأمر، بهدف الالتفاف على القضية واستيعاب الضغوط الدولية ولاسيما من البرلمانات التي اعترفت بالإبادة الأرمنية وجعلت منها قضية على أجندتها، في وقت تسجل فيه اللوبيات الأرمنية في أميركا وأوروبا نجاحات لافتة في هذا المجال.

دون شك، ما حصل لا يمكن وصفه إلا بالإبادة الجماعية، في اغتيال شعب وتهجيره من وطنه ومحاولة محو ذاكرته وتاريخه، وستبقى تركيا مسؤولة عن كل تلك الجرائم أمام الحضارة الإنسانية ومهما تقدم الزمن.

Share This