نص كلمة وزير الدولة العميد بانوس مانجيان في افتتاح شارع “أرمينيا” في جبيل والنصب التذكاري للإبادة الأرمنية

سيادة المطران ميشال عون،

حضرة رئيس بلدية جبيل الأستاذ زياد حواط،

حضرة القائم مقام السيدة نجوى سويدان،

الآباء الآجلاء، حضرات رؤساء البلديات وممثلي الفعاليات،

أصدقاء الشعب الأرمني،

أيها الحضور المميز،

ثمانية وتسعون سنة مرت على الإبادة والمجازر الوحشية التي ارتكبت بحق الشعب الأرمني المسالم من قبل السلطات العثمانية.

صحيح أننا نتذكر في 24 نيسان من كل سنة هذه الإبادة لكننا لا ننسى كافة المجازر التي ارتكبت بحق هذا الشعب في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ونخص بالذكر مجازر أضنا ونتذكر أيضاً المجازر التي ارتكبت بحق الأقليات السريانية والآشورية والكلدانية واليونانية.

صفحات سوداء في تاريخ السلطنة العثمانية بمختلف قياداتها تزداد سواداً في حقبة أحفادهم الأتراك والدولة التركية التي لا تعترف بأي شكل من الأشكال بالإبادة والمجازر المرتكبة بل تتابع في طمس الحقائق التاريخية وتحارب الشعب الأرمني والقضايا الأرمنية في كافة المحافل الدولية.

صحيح أن أكثرية الرجال قتلوا، والنساء تم اغتصابهن والأولاد خطفوا ومن بقي منهم حياً تم سوقهم إلى الرمال الحارقة في منطقة دير الزور في بادية الشام. صحيح أنه تم تدمير المدارس وتدنيس المقدسات وحرق الكنائس بمن فيها.

صحيح أنه تم الإستلاء على المقدسات والممتلكات ولكن صحيح أيضاً أن الحلم العثماني الطوراني لم يتحقق.

كان الحلم العثماني إبادة الشعب الأرمني بكامله باستثناء شخص واحد لوضعه في متحف الشعوب، ولكن وجودنا هنا في هذه اللحظة ووجود مئات الآلاف وملايين الأرمن الذين شاركو قبل أربعة أيام في احتفالات لإحياء ذكرى الإبادة في أرمينيا وناغورني غاراباغ وكل أنحاء العالم هو الدليل الساطع على فشل المخطط العثماني الظالم والحاقد.

فنحن كشعب أرمني لدينا أبجدية وثقافة، لدينا فنون لدينا كتب شعر وأدب وأناجيل ومخطوطات قيمة، ولدينا آثار لوضعها في المتاحف ولكن العثماني التركي فليس لديه سوى ثقافة البطش والقتل وتشريد الشعوب من أرمنية وسريانية وآشورية وحتى عربية، ولديهم في متاحفهم آثار مسوقة من حضارات العالم القديم والحديث.

لدينا وليم سارويان، وشارل أزنافور،

لديهم السلطان عبد الحميد – السلطان الأحمر.

لدينا مئات وآلاف المثقفين والعلماء والمخترعين،

لديهم جمال باشا السفاح وأحفاده في قيادة الدولة التركية.

أنا لست كاتباً أو شاعراً أو خطيباً، أنا ابن عائلة متواضعة.

أنا من أحفاد أناس قاوموا الظلم العثماني في قرى جبل موسى في لواء الإسكندرون لمدة أربعين يوماً ولم يسمحوا للتركي بالدخول إلى قراهم والفتك بهم رغم سقوط 18 شهيد.

ولكن سياسات الدول الكبرى والتسويات الدولية أرغمت سكان هذه القرى سنة 1939 بالإنتقال إلى أرض قاحلة في عنجر حيث قاوموا المرض والجوع ومصائب الحرب العالمية الثانية ليبنوا قرية نموذجية في أرجاء هذا الوطن العزيز وربما هذه الروح القتالية هي التي شجعت المرحوم والدي بالإنخراط في الجيش الفرنسي ومقاتلة الألمان حلفاء الأتراك في ليبيا وثم الخدمة في الجيش اللبناني. وشجعتني الخدمة 38 سنة في جيشنا البطل في لبناننا الحبيب كما شجعت الكثيرين من أبناء طائفتي بالإنخراط في مختلف ميادين العمل البناء.

وجودنا هنا الآن في أحضان مدينة جبيل العريقة في التاريخ وعبر العصور وفي هذه الأيام هو دليل ثقافة الحياة.

كما ذكرنا سابقاً كان العثماني الجزار يقتل الأباء والأمهات ويخطف الأولاد. أما الأيتام الذين تشردوا وتم تهريبهم بمختلف الوسائل فتم إحتضانهم هنا في هذه المدينة وشيد الميتم والمدرسة والكنيسة (ترشنوتس بوين) – (عش العصافير).

فأهلنا في لبنان ومدينة جبيل مدوا يد العون لإيواء الأيتام المشردين واسم هذه المؤسسة له دلالة كبيرة في براءة الأطفال الذين غردوا أغنيات الحياة ليصلوا إلى بر الأمان وأصبحوا رجال أقوياء وكتبوا صفحات بطولية في تاريخ الشعب الأرمني ضد الطغيان التركي وبقوا صامدين في وجه سياسة التتريك كجبل آرارات في أرمينيا وجبل صنين في لبنان.

كلمات الشكر التي أريد توجيهها في هذه المناسبة تمتد من أيام ارتكاب مجازر الإبادة لغاية هذه الساعة.

كان العثماني الطوراني يسوق قوافل الموت إلى رمال دير الزور الحارقة وكانت زعامات وعائلات القبائل العربية (إعذروا لي أن أقول القبائل العربية المسلمة) وبكل فخر كانت تنقذ ما أمكن من الأهالي من بطش العثماني لأن الجميع مسلمين ومسيحيين ذاقوا الأمرين من الطوراني الظالم فشكراً للقبائل العربية.

أقول شكراً لكل أبناء لبنان الذين احتضنوا أبناء شعبي المستهدفين وقدموا لهم المأوى والمسكن والعمل رغم وجودهم في ظروف حياتية صعبة خلال الحروب العالمية.

فشكراً للشعب اللبناني.

أقول شكراً لأهل مدينة جبيل على إحتضانهم الأيتام في هذه المدرسة الغالية على قلوب جميعنا.

كما أشكر سيادة المطرن ميشال عون ورئيس البلدية الأستاذ زياد حواط وجميع من ساهم في إقامة ونجاح هذه المناسبة وتسمية الشارع باسم (أرمينيا) شكراً للحضور المميز.

وختاماً بعد أن أشكر حكومات كافة دول العالم وعلى رأسهم دولة لبنان الذين اعترفوا بالإبادة الأرمنية وبعد مطالبتي بالدولة التي لم تعترف باللحاق بالذين ذكرناهم كي لا يشجعوا الآخرين بارتكاب جرائم إبادة.

أوجه الكلام لأحفاد وورثة الدولة العثمانية أي دولة تركية وأقول: 98 سنة مروا ولم ننسى.

98 سنة ونحن نناضل ونطالب بالإعتراف بالمجازر ولكن بعد اليوم وحتى ولو إعترفوا فنحن لن نقبل سوى بالإعتراف والتعويض المادي والمعنوي وكافة أنواع التعويضات.

وذلك الحلم الذي كان يراودهم بقتل كافة أبناء الشعب الأرمني والإبقاء على واحد فقط في متحف الشعوب إرتد عليكم وبدل العبودية والذل والظلم العثماني.

لدينا دولتان أرمنيتان جمهورية أرمينيا وجمهورية ناغورني غاراباغ وملايين الأرمن الذين نهضوا كطائر الفينيق وساهموا ويساهمون في إزدهار الأوطان التي يعيشون فيها وغداً لناظره قريب.

عشتم عاش لبنان وعاش وإزدهر الشعب الأرمني.

Share This