المغني السوري الأرمني جوزيف طرطريان.. مغنٍّ أوبرالي في طريقه إلى الوصول

كان للسيدة ميادة الحناوي دور في لفت انتباه والدته إلى موهبته في عمر أربع سنوات، وذلك أثناء زيارتها كزبونة عادية إلى صالون التجميل الخاص بوالدته، فحدث أن سمعت صوته يغني، فطلبت منها الاهتمام بتلك الموهبة الواعدة؛ ما شجع الأخيرة على إلحاقه بمعهد صلحي الوادي، حيث تعلَّم العزف على آله الكمان. جوزيف طرطريان طالب المعهد العالي للموسيقا في دمشق- قسم الغناء الأوبرالي، يقول: “طوال حياتي كنت أطمح لأكون سوبر ستار عالمياً يوماً ما. والحادثة المهمة، التي أدَّت إلى وضع قدماي في أول الطريق والعمل الجدي لأحقق ذلك، كانت في عيد ميلادي الـ19، عندما أهداني أصدقائي أغلى هدية أتلقاها، وهي أن استأجروا لي استديو ضمن معايير احترافية لمدة 4 ساعات لأغني وأسجل صوتي. وهذا ما حصل. حينها قال لي مهندس الصوت إنَّ لدي خامة قوية أحتاج إلى تلميعها أكثر، ومساحات بحاجة إلى العمل عليها وتطويرها لأصل إلى نوتات أكثر. وفوراً عملت بنصيحته، وبدأت أتلقى دروس فوكاليز خصوصية في المنزل، على يد أستاذ موسيقي، الذي بدوره اقترح أن أنتسب إلى المعهد العالي للموسيقا في دمشق، الذي كان فحص قبوله متزامناً مع تلك المرحلة.. وكانت البداية”.

أحب أن أغنّي وأعيش حلمي..

مع قبوله ضمن طلاب المعهد، شَعَر جوزيف أنَّ حلمه بات قاب قوسين أو أدنى، أقلّه أنه بدأ العمل الجدي مع خبراء وأساتذة موسيقيين محترفين، ولاسيما الخبيرة الموسيقية مدام “أراكس تشيكيجيان”، التي ساعدت كثيراً في تطويره موسيقياً، صوتاً وثقافة؛ يقول جو: “كان للمدام أراكس فضل كبير في تطوير صوتي.. هي مدرسة غناء بحدّ ذاتها، أعطتني من خبرتها الكثير، وهناك العديد من الأغنيات الصعبة التي أتقنها اليوم بفضلها”. ويتابع: “عندما تجد نفسك ضمن أجواء احترافية، من موسيقيين وخبراء وكورال، تشعر بأنه بات اختصاصك، وعملاً جدياً تستمتع به، أكثر من كونه هواية أو موهبة غير مصقولة. بدخولي المعهد، بدأ الشيء الذي أحبه يصبح واقعاً. ربما الموهبة صارت مهنة.. لا لا أستطيع أن أقول إنها مهنة؛ فالمهنة مرتبطة بالعمل والروتين.. أنا فقط أحب أن أغني، أنا أعيش حلمي”.

برامج المسابقات الغنائية وتلفزيون الواقع..

جوزيف مؤيّد لمثل هذه البرامج 100 %، كما يقول، إذ يعتبر أنَّ الكثير من المغنين بحاجة إلى دعم إعلامي (تلفزيوني)؛ علماً بأنه مدعوم من التلفزيون العربي السوري ووزارة الثقافة، لكنه يشعر أنَّ مقدرات التلفزيون السوري، من حيث انتشاره، “محلية” وربما لاتتخطّى حتى العاصمة دمشق.

أما تلك البرامج فهي مشاهدة بنسبة كبيرة جداً في الوطن العربي، وهو بحاجة إلى أن يتوجَّه إلى متابعيها؛ فهي بمثابة دفعة قوية لأيّ موهبة جديدة للوصول. ويتابع جو: “لكن الخوف من برامج كهذه يكمن في أنها لا تضمن لك الاستمرارية؛ فمن الممكن أن تصل إلى مرحلة كبيرة من الانتشار والنجومية في فترة قصيرة. وبعد انتهائها، تتركك معلقاً لا تعرف من أين تبدأ البحث عن منتج أو شركة تدير أعمالك وتتابعك، أو كيف تحافظ على النجاح الذي حققته في مثل هذه البرامج.. هي كالحلم الجميل الذي ستستيقظ منه نهاية الأمر”. لكنه، رغم ذلك، ليست لديه مشكلة في أن يشارك في مثل هذه البرامج؛ فهو يفضل الدعم والوصول إلى العالم ليتعرفوا إلى موهبته في ظرف 3 شهور، على أن يتبع طريقاً يحتاج إلى 5 أو 6 سنوات.

شارك جوزيف في العديد من الأعمال الموسيقية، منها أوبرا زنوبيا، وقام بالغناء المنفرد مع كورال المعهد العالي للموسيقا وكورال الحجرة، كما شارك في عدة حفلات مع كورال جوقة الفرح، وهو عضو في عدة فرق موسيقية، منها فرقة تشيللي باند وفرقة أنس أند فريندز.

واليوم لديه فرقة تحمل اسمه (تأسّست حديثاً 2013) تتألف من: ناريك عبجيان (بيانو)، جورج مالك وبلال حمور (جيتار والبيس جيتار)، باتيل خجاريان (كمان)، يامن جذبة (القانون)، نادر عيسى (ساكسفون)، مازن شومان وعامر دهبر على الآلات الإيقاعية.
يميل جوزيف إلى الموسيقا الكلاسيكية، ويفضّل سماع نجوم عالميين والتعلم منهم، أمثال: “بافاروتي- كاروسو- مايكل بوبليه- ويتني هيوستن”؛ يقول: “أول أغنية حفظتها باللغة الإنكليزية وقمت بأدائها أمام الجمهور هي “اي ول الوز لوف يو” لويتني هيوستن.. أحبها كثيراً ومتأثر بها”، حتى إنه عمد لإعداد فيديو كليب بسيط للأغنية بكاميرا يد محمولة، بمساعدة صديقه رزن طربة، ونشرها على اليوتيوب في ذكرى رحيلها”.

وعن أدائه شارة مسلسل المفتاح، يقول إنها تجربة مميزة، والعمل مع المؤلف والموزع الموسيقي سعيد الحسيني يضيف له، خاصة أنه شخص محترف في مجاله..
صعوبات الوصول…

الأحداث السورية والوضع الخاص الذي تمرّ به البلاد يؤثر في جوزيف بطريقة أو بأخرى، لكنه يحاول، على قدر استطاعته، تجاوزها وألا يقف عندها؛ “فالإنسان الناجح يستطيع الوصول تحت أي ظروف”.

الفنان الصاعد يحتاج أولاً إلى أن يتلقى دعماً مادياً وآخر إعلامياً ليصل، وإلا فإنه سيغمر كحال الكثير من الموهوبين؛ يقول جو: “لا أستطيع إنجاز ألبوم غنائي ما لم يتوافر هذان العاملان (الإنتاج، والدعم الإعلامي واسع المدى). هناك العديد من أصدقائي المغنين، طلاب المعهد الموسيقي، ذوو طاقات وحناجر ماسية، يطورن من نفسهم ليل نهار، إلا أنهم بحاجة إلى التنقيب عنهم والإضاءة مادياً وإعلامياً”.
وفي حديثه عن آخر حفلاته وأكثرها تأثيراً عليه -وكانت أمسية غنائية أوبرالية قدَّمتها دار الأوبرا بمناسبة عيد الأم بعنوان “أغني لأمي سورية”، وتضمَّنت مجموعة منوّعة من الأغاني العربية والغربية، التي قدّمت بطابع أوبرالي بمرافقة بعض اللوحات الراقصة- يقول جو: “كانت أول حفلة كاملة لي غناء صولو -منفرد- عداك عن أني أهديتها لأمي، ولسوريا، كما أن ريعها كان موجهاً للأسر المتضررة داخل وخارج مراكز الإقامة المؤقتة، وذلك بالتعاون مع مبادرة “لمسة دفا”. كل ذلك أدى لأن تكون من أقرب الحفلات إلى قلبي”.

رسالته .. 
أخيراً -يقول جو- إنَّ الوقوف على المسرح بمثابة حلم يتحقَّق له في كل مرة، وعنده رسالة معينة يحب إيصالها من خلال الموسيقا الراقية والتعبير عما يحسّ به، هي رسالة محبة موجهة أولاً إلى السوريين لنشر التسامح ونبذ العنف والتعصب بكافة أشكاله؛ فلا أجمل من التعاطي مع الآخر بالموسيقا؛ يقول: “يجب أن نحب بعضنا بغض النظر عن الفروقات والاختلافات. في النهاية نحن نعيش في بلد واحد، فعلينا أنا نتقبَّل آراء بعضنا المختلفة بمحبة، ونحاول تعميم ثقافة التسامح وتقبل الآخر.. بلغة الموسيقا”.

بلدنا – حكمت الحبال

Share This