تفاصيل تحرير شوشي في جمهورية كاراباخ الجبلية

“الصليبيون في شوشي”

تحركت الكتائب الأرمنية مساء 7 أيار عام 1992 إلى شوشي، ويذكر المخرج ديكران خزماليان حادثة مصورة: “أشعر بالقشعريرة في جسمي حتى اليوم، كانت ألوان ثياب الأرمن والأذريين واحدة، ولكي يختلفوا عنهم رسم الأرمن خطاً على ظهورهم بقماش أو غيره، ورسم الشباب شكل الصليب، لأنه أسهل شكل يمكن رسمه بخطين، وعندما جاءت الأوامر وقفوا جميعهم، هل تتصورون المشهد؟، 400 رجل يقفون وقت الغروب، ويذهبون للتضحية حاملين رسم الصليب على ظهورهم، إنها حملة الصليبيين، والأغرب أنها لم تكن مقصودة”1.

تدخلت قيادة كاراباخ في تنسيق عملية شوشي بعد خوجالو مباشرة، وفي 28 نيسان تقرر الاتجاه الأساسي للهجوم، وكان يفترض أن يبدأ الهجوم في 4 أيار، ولكن جرى تأجيله بسبب الثلوج غير المتوقعة، وفي 7 أيار بدأت القوات الكاراباخية بالهجوم في أربعة اتجاهات دفعة واحدة، وقاد العملية قائد قوات الدفاع في كاراباخ الجبلية أركاتي دير تاتيفوسيان.

كان مقر الجيش يقع بجوار قرية شوش، حيث بدأ منها الهجوم إلى الشرق، يديرها القائد الأول لجيش الدفاع في كاراباخ الجبلية أركاتي كارابيديان، كان فاليري تشيتشيان قائد المنطقة الشمالية في استيباناكيرد-شوشي، وسيران أوهانيان قائد منطقة الشمال الغربية “جانحسن-كوسالار”، وقاد يوري هوفانيسيان العملية العسكرية للذخيرة في المركز (26) قرب قرية كركجان المجاورة لاستيباناكيرد، أما قائد المنطقة الجنوبية أو لاتشين فكان صامويل بابايان2.

يؤكد بابايان : “أولئك الذين شاركوا في العملية، أخذوا إطلاق النار على عاتقهم، في 8 أيار بعد الظهر رحل الأذريون من المدينة، أما في صباح 9 أيار فلم يكن هناك أي أذري، ولا مظاهر قتالية ولا مقاومة في المدينة، ولم تر القوات الأرمنية في شوشي أي جندي أذري، والمخبؤون في السراديب، الذين لم يعلموا ماذا يجري أخذوا رهائن، ولم يخط الجندي الأرمني خطوة واحدة عن الدبابة، التي يمكن مشاهدتها عند زيارة شوشي”3.

في 9 أيار من كل عام يجري إحياء ذكرى تحرير شوشي، وتنطلق النشاطات من النصب التذكاري في استيباناكيرد مروراً بجوار طرق تؤدي إلى البلدة، ثم يقفون قرب نصب الدبابة على قاعدة التمثال، وحضر ذلك النشاط عام 2000 الكاتب البريطاني توماس دو فال، كان ذوو الشهداء الأبطال يقفون أمام النصب، في أثناء القتال نجا القائد كاكيك من بين ثلاثة أشخاص كانوا في الدبابة، التي تحمل رقم 442، كانت ستيلا أرملة آشود تقف جانب الدبابة مع ابنها هوفانيس البالغ 10 أعوام، بدت ستيلا شابة شاحبة وبائسة، كانت جدة شاهين الماهر في الرمي بوشاح أسود تجفف عينيها بمنديل أبيض، ثم أجهشت بالبكاء، وبدأت تضرب الدبابة بقبضتها4.

تنتهي النشاطات عادة بذكرى تحرير شوشي بقداس يقام في كنيسة غازانتشيتسوتس، التي شيدت في عام 1887، في صباح 9 أيار عام 1992 دخل الأرمن المدينة، ويظهر في المشاهد المصورة كيف يخرج الجنود بوجوههم المشعة من الفرح قذائف غراد من الكنيسة، ويرقصون في حلقات الدبكة رافعين الرشاشات بأيديهم.

كتب صامويل شاهموراديان أحد المؤرخين لنضال كاراباخ في مذكراته في صفحة بتاريخ 11 أيار: “جرى الحفاظ على المدينة جيداً، لكن الحطام الأسود ليس قليلاً، أضرمت الحرائق هنا وهناك، والسماء ملبدة بالدخان، الطين والدخان وضجيج الشاحنات، سلب ونهب، يحّملون بالسيارات والعربات، على الأكتاف والأيدي، وحتى الحمير والأحصنة، يحملون كل ما هو متوافر من ثياب، وأثاث، وسجاد، وتلفاز، وبراد، وأغذية، ومصابيح كهربائية، وصحون، ها هي الشاحنة حمّلت بيانو ومضت، المقاتلون فخورون وسعداء، تجمعوا في باحة الكنيسة، أغان ورقصات وطلقات نارية، ذبحوا الخروف أضاحي ورسموا بالدم الصليب على جبهة كل واحد منهم، انتصر المقاتلون والباقي اهتم بالسلب”5.

يتذكر خزماليان، وكأن ذلك يجري اليوم: “أحرقوا جماعتنا شوشي، كان هناك خوف، ولم يكونوا يصدقون أنها ستبقى لنا، وآمن القرويون أن الأذري لا يعيش في بيت محترق، أي إنهم أحرقوها، لكي لا يعود الأذري، أتفهم؟، أنا أتذكر ملازماً يركض ويصرخ: “أيها الحمقى، ماذا تفعلون؟، إنها لكم، ستأتون لتعيشوا هنا”.

يروي دير تاتيفوسيان أنه حقاً بمحاصرة شوشي تبدو أهمية بث الذعر في مناطق الآخرين من المدينة، لكي يرحل الأذريون من دون الخوض في معارك، لذلك جرى سابقاً تدمير المناطق السكنية الأذرية حول شوشي واستيباناكيرد، وجرت محاصرة البلدية، “قبل شوشي كانت كركجان وماليبيلون وخوجالو، أي كان هناك تتابع في المنطقة السكنية التي حررناها”6.

غادر القائد الميداني الشيشاني شاميل باسايف إلى كاراباخ في التسعينيات للجهاد، وكان مجاهدوه آخر من رحل عن شوشي، أكد باسايف في تموز عام 2000 للصحفي الأذري في جبال الشيشان أن شوشي وقعت في حصار بسبب غياب النظام والقيادة في الجيش الأذري، الجميع ترك المدنية، لم يبق هناك سوى 4 مجاهدين و11 أذرياً، وكانوا يدافعون بـ15 شخصاً مدة يوم ونصف، أما الحامية المؤلفة من 2800 شخص فقد تركت كل شيء وهربت، إن هرب أحد ما بعتاده فهو بطل، لأن الكثيرين كانوا يتركون أسلحتهم الثقيلة، ويمضون إلى باكو.

ثلاثة من المجاهدين ممن دافعوا عن شوشي ما زالوا أحياء، لقد أفرغت شوشي، بدأ ما يقارب 700 أرمني بالاعتداء، إنه أمر مخادع وبريق خارجي، بوجود تلك الحامية القوية والأسلحة الكثيرة وموقع شوشي كان يمكن مئة رجل أن يحافظوا بسهولة على المدينة المنيعة مدة عام كامل، ليس هناك أي تنظيم، يمكن اليوم اعتقال جنرال أو وزير، وتقول له إنك قمت بالخيانة والتسليم والبيع، إنها فقط أحاديث، ليس هناك أي قيادة، ليس هناك مسؤول عن أي شيء7.

لاحقاً نشرت باكو فرضية أن القوات الأرمنية لم تحتل شوشي، بل حصلت عليها من دون معارك بسبب خيانة القيادة العسكرية والسلطات السياسية الأذرية، حيث جرت محاكمة وزير الدفاع السابق رحيم غازيف في هذه الفرضية، طبعاً الحجة قريبة من الحقيقة، لأنه لم تجر معارك في شوشي، لكن المشاهد المصورة لم تنفذ في شوشي، بل على مشارف المدينة. خلال العملية العسكرية راح من الطرف الكاراباخي 58 ضحية، ليس بينهم واحد من شوشي، أعطى الأرمن الخصم فرصة الرحيل من طريق شوشي-لاتشين.

غازيف الذي اتهم بتسليم شوشي بالتآمر، أكد خلال المؤامرة أنه في أيار عام 1992 كان في شوشي وجوارها نحو 2500 جندي إلى 3000، و3 دبابات س-72، ودبابة س-55، و12 مدرعة و6000 قذيفة في منظومة غراد ب م-21، و3 مدفعيات، و4 وحدات ألازان، و30 وحدة إيكلا، وقذيفة زينيت ستريلا-2، و20 وحدة 20 قاذف ألغام 82 ملم، و50 قذيفة يدوية، وأكثر من 5 ملايين ذخيرة8.

يروي صامويل بابايان: “قمنا بالاستيلاء على شوشي تكتيكياً، وليس بطريقة القوة الخشنة، حاولنا حصر الخصم في حلقة، وعند إغلاق الحلقة ومع خطر البقاء في الحلقة بدأ الذعر يدب بين السكان المدنيين والقوات الأذرية، هذا هو السبب الأساس لترك الخصم شوشي، نفذ التكتيك نفسه في أثناء العمليات الأخرى، تجنبنا قدر الإمكان الحرب وجهاً لوجه، وقمنا بخطوات تكتيكية، اعتدينا على جهات لم يكن ينتظرنا فيها الخصم، حاولنا دائماً أن نشعره بأنه سيقع في الحصار، إن لم يسارع في الهرب من مواقعه قبل ساعتين، وفي النتيجة حصلنا على أقل الخسائر، مع أن خسائر الطرف المهاجم والمحرر تكون عادة أكبر”.

غادرت الآليات العسكرية شوشي صبيحة 8 أيار، اعترف تارلان زولفوكاروف قائد الفصيلة بأن المركبات القتالية غادرت المدينة في 8 أيار، وفي صبيحة اليوم نفسه أرسل إلبروس أوروجيف، الذي كلفت فرقته الدفاع عن المدينة دبابتين ومدرعتين إلى زارسلو، حيث جرى تدميرها وقتل طاقمها، ما أثار حملة فرار جديدة من شوشي، وفي مساء اليوم نفسه اقترب أوروجيف مع الجنود في اثنتين من شاحنات غاماز من الملصق، وأمر بالرحيل من المدينة، يفسر أوامره بأن الأرمن كانوا قد دخلوا شوشي، وأخذوا مواقعهم  في محيط سجن المدينة، وتبين من بضعة عشرات من الجنود أن قسماً منهم رفض ترك مواقعه. “كنت آخر من تركوا المدينة مع 8 جنود وأوروجيف، تجول أوروجيف في المدينة، حتى اقتنع بأن لا أحد بقي هناك، وأمرني بالابتعاد حالاً”، اعترف شكور رسولوف الموظف في قسم الشرطة في شوشي9.

لم يعدّ دير تاتيفوسيان تحرير شوشي في البداية انتصاراً، بل نجاح له ولرجاله، آشود غوليان، وفاليري تشيتشيان، ويوري هوفانيسيان، وفلاديمير بالايان، وسأذكر اسماً آخر، وهو حي يرزق، كان يفترض أن يحصل على مكافأة عالية، هو فاليري بالايان، الذي كان رئيس لجنة شؤون الدفاع في البرلمان، ويقود العمليات العسكرية، مثلاً هو الذي حرر ماليبيلون، وقام بعمل مهم بتوجيه بابايان في أثناء تحرير شوشي، وكان معه سيفيليان، نحن نعرف أن جيراير بطل، ثم حوكم، لكن لا أحد يعرف بالايان، يجب معرفة الجميع، لكي نعرف الحقيقة، الحياة قاسية، لن أنسى شاباً صامتاً ومسالماً هو أرسين من دافيداشين، في إحدى المرات كنا نعاني نقص الغذاء، فأخذ الخبز والسكر للأسرى النساء والأولاد، تلك بطولة يقوم بها شخص مثله10.

الفصل السادس عشر من كتاب “يوميات كاراباخ، أخضر وأسود، لا حرب، لا سلم”، للكاتب الصحفي طاطول هاكوبيان، ترجمة د. نورا أريسيان، بيروت، 2012.

1 حوار مع خزماليان، 3 تموز، 2006.

2 قتل تشيتشيان في تشرين الثاني عام 1995 بحادث سير في سيفان، وهوفانيسيان في قرية ماغافوز في مارداكيرد في حزيران، عام 1993.

3 حوار مع بابايان، 4 نيسان، 2006.

4 Tomas de Waal, p.184.

5 صامويل شاهموراديان، “عدم نسيان أي شيء”، يريفان، 2005، ص 94-95.

6 حوار مع دير تاتيفوسيان، 12 نيسان، 2006.

7 حوار تلفزيونANS الأذري مع شاميل باسايف، في 19 تموز، 2000. قتل شاميل باسايف في 10 تموز، 2006.

8  Газета Зеркало, 10 июля 2002 г., Баку.

9   Газета Реалный Азербайджан, # 8-9, 29 апреля 2005 г., Баку.

10 من المؤتمر الصحفي لدير تاتيفوسيان، 6 أيار، 2008.

Share This