الإيزيدية و الأرمن أخوة في الدم 1915

لا تزال تركيا ترفض الاعتراف بمسؤوليتها عن مجزرة الارمن على يد حكومة الإتحاد، والترقي في عصر الامبراطورية العثمانية، وهي من اكبر المجازر التي حصلت في التاريخ .

إن اندلاع الحرب العالمية الاولى جعل الأرمن محصورين بين القوتين العدوتين: روسيا القيصرية من جهة، وتركيا العثمانية من جهة أخرى، وعندئذ انضمت القوات الأرمينية الى روسيا ضد تركيا ، وكان عددهم ١٨٠ الف رجل ، وهذا ما ازعج تركيا كثيراً فأخذت من ذلك ذريعة للفتك بالأرمن فقررت التخلص منهم لاعتبارات اقتصادية وسياسية وعرقية وثقافية ودينية .

إنهم كانوا يعدون للمجزرة العدة منذ أمداً بعيد إلى أن جاءت ظروف الحرب , وانشغل العالم فيها أن حرب الإبادة التي أخذت خطاً صريحاً وممنهجاً ضد شعباً أعزل لم يردعهم وازعٌ من ضمير أو قوة على الأرض تلجم غرورهم وغطرستهم التي زادتهم جرأة في ارتكاب المجازر .

جمع الجيش العثماني ستمائة من خيرة قادة الأرمن الكبار في اسطنبول ،وثم إعدامهم جميعاً كما رحلوا جنود أتراك من أصل أرمني يخدمون في الجيش التركي إلى معسكرات خارج المدن، وتم تصفيتهم جسدياً، وقرر قادة تركيا الفتاة، ومن بينهم طلعت باشا وجمال باشا طرد السكان الأرمن من اراضيهم في شرق الأناضول حيث يعيش الأرمن فيها منذ أكثر من ثلاثة ألف عام الى صحراء سوريا والعراق، وابتدأت المجزرة الكبرى فعلا بتاريخ ٢٤ ابريل ١٩١٥، ففي ذلك اليوم تلقى الارمن الذين يسكنون في منطقة الاناضول الشرقية انذاراً بمغادرة منازلهم خلال اربع وعشرين ساعة وإلا قتلوا عن بكرة ابيهم !!.

عندما خرجوا من القرى والبلدات تنفيذاً للأوامر العسكرية تمت تصفية كل الرجال الاصحاء , وسمح فقط للنساء والأطفال بالسير على الأقدام مسافة مئات الكيلومترات دون غذاء أو ماء في أشهر الصيف الحارة !.

في مسيرة الرحيل القسري اغتصبت نساؤهم وتم تغير نوع الجنس لأطفالهم بالإكراه (تحويل ديانة الأطفال) ونكل بالباقين حتى قتل معظمهم بشكل أو بآخر وانضمت بعض القبائل الكردية  والتركمانية الى الجنود العثمانيين من اجل التنكيل بالأرمن تحت التهديد من بطش الجيش الانكشاري العثماني بهم أيضاً , وثم تحريضهم من رجال الدين الأتراك باسم الدين على أن الأرمن كفار وخونة ,وعملاء للقيصر والروس !!

لقد دافع الإيزيديون عن الأرمن في محنتهم مع قلة من العشائر العربية والكردية وهذا بشهادة الأرمن أنفسهم أفراداً , ورجال الدين، وذلك لسببين : أولهما الصراع الإيزيدي العثماني الدامي لم يتوقف يوماً طيلة الخلافة العثمانية حيث تعرضوا إلى 73 فرمان كان أكثرها دموية التي قادها الامير محمد الراوندوزي الملقب بـ محمد الأعور حيث قُتل أكثر من ثلاثمائة ألف إنسان إيزيدي هجروا من قراهم وبيعت نساءهم وأطفالهم في أسواق الموصل وبغداد، ونحر أعظم أمراء الشيخان علي بيك بعد أسره .

بهذه الخلفية التاريخية أصبح الإيزدية والأرمن مصيرهم واحد مع عدو مشترك مما جعل الإيزيدية غير مبالين بالغضب التركي بعد كل تلك المآسي فهبوا لنجدة إخوانهم الأرمن واستضافوهم في بيوتهم وقراهم وتشاركوا معهم بالمأكل والمشرب خاصة في ويرانشهر حيث كانت عشيرة الملية الكردية ذات نفوذ كبير، وينتمي إليها (شرقيان , ودنان) الإيزيدية ،ولهما مركز الصدارة فيها  وأيضاً جبال سنجار القلعة الحصينة , وملاذ الضعيف والمرعوب فمن , وصلها سلم على روحه ، وعرضه وأطفاله ودينه، فسهر على راحتهم , وأمنهم رجال بواسل لا يهابون الموت لكنهم يهابون الملامة , إذا هم قصروا في الواجب .

وقد منَ الله على الإيزيدية بالتوفيق والنجاح بحماية مئات العائلات بل الآلاف , وقد وصلوا بهم إلى بر الأمان بعد احتلال بريطانيا للعراق عام 1918 , وانتداب فرنسا لسوريا 1920 سقوط الإمبراطورية العثمانية 1924 فتلاشى جدار الصمت والرعب وخرج الأرمن من مخابئهم في رحلة البحث عن المفقودين فلذات اكبادهم والتي تحمل عنائها كبار السن سنين طوال ينتظرون حفيد أو ولد فقيد أو الاثنان أو كثر دون فائدة إلى أن توافيهم المنية , والدمعة في المآقي لم تجف !!.

خلال عام أو اكثر قليلاً قتل أكثر من مليون ونصف أرمني كانوا سكان أصليون وأصحاب أرض يعيشون تحت ظل احتلال الامبراطورية العثمانية لم يرتكبوا أي ذنب سوى أن الله خلقهم هكذا ؟.

اما الاتراك فلا يعترفون بقتل اكثر من ثلاثمائة الف شخص، ويرفضون القول بأن العملية قد تمت بتخطيط أو سابق قصد وإصرار ويحتجون قائلين : أن الاوبئة انتشرت في فترة الحرب وأدت الى موت الارمن ! بالطبع لا احد يصدق المزاعم التركية لأنه لم يكن هناك حرب بالمفهوم العسكري بين شعبٌ أعزل وجيشٌ مدجج بالسلاح ومن أقوى جيوش العالم في ذلك الوقت وإنما كانت مجزرة ترتكب بحق شعب مسالم وأعزل هكذا كانت الواقعة وهناك شهادات الدبلوماسيين الاميركيينوالألمان تدين السلطات التركية بشكل قاطع وتدل على ان العملية كانت مدبرة ثم كان سقوط القيصر الروسي نيقولا الثاني كارثة كبرى على الارمنفقد تركهم وحيدون في مواجهة الاتراك ، وهكذا اكتملت فصول مأساتهم ومازال كابوس الرعب يكابدهم من جيل إلى أخر في غربتهم ولا تزال المجزرة وأرواح القتلى تلاحق المسئولين الاتراك حتى هذه اللحظة فلجان حقوق الانسان دعتهم اكثر من مرة الى الاعتراف بها ، ولكن عبثا

والواقع انه يوجد شبه اجماع بين مؤرخي العالم كله على ادانة الحكومة التركية في ذلك الوقت اي عامي ١٩١٥ – ١٩١٦ باعتبار انها ارتكبت اول مجزرة كبرى في تاريخ القرن العشرين ضد البشرية، وفي عام ١٩٧٩ وجهت لجان حقوق الانسان نداء في جنيف الى الجماعة الدولية بأسرها وكان مما جاء فيه: لقد حصلت مجزرة كبرى في ظل حكومة تركيا الفتاة عام ١٩١٥ وذهب ضحيتها مالا يقل عن مليون ونصف ارمني وهذه المجزرة اصبحت الآن حقيقة تاريخية لا يرقى اليها الشك وقد تمت تصفيتهم بشكل وحشي لأسباب طائفية وعرقية وثقافية واقتصادية، انها مجزرة ضد الانسانية نظرا لضخامتها وعدد ضحاياها ولكن الحكومة التركية ضغطت بكل ثقلها بمنع الحقيقة من الظهور وهي تفعل كل شيء للتنصل من مسئوليتها ، ولكن يوم الحق لقريب !!.

بعد الحرب العالمية الاولى انتصر مصطفى كمال اتاتورك على خصومه ،وأسس الجمهورية التركية على انقاض السلطنة العثمانية وأصبحت لأميركا مصالح في منطقة الشرق الاوسط بعد ظهور البترول فيها ، ولهذا السبب، ولكي تحافظ على مصالحها فأنها تخلت عن قضية الارمن، والأكراد وحقوق الإنسان، والإبادة ضد الجنس وحابت الطورانية التركية مجاملة لمصالحها وبقى في ضميرها الآلام والأوجاع والعذاب يعصفُ إلى حين.

وراوح الواقع والمسألة الأرمينية تخيم بحالة عدم انسجام مع سياسة الولايات المتحدة طيلة القرن العشرين، فالمصالح الأمريكية أهم من المبادئ !!

بقلم سينان أيو

www.bahzani.net

Share This