الأرمن.. الشعب الذى لا ينسى

إذا كانت الشعوب آفتها النسيان، فإن هناك شعوب لا تنسى آبداً، وكلما تعمقت بداخلها تزداد يقينا بأن هذه الشعوب لا تنسى مهما طال الزمان وتعاقبت السنون، خلال الأسبوع قبل الماضى ساقني القدر للمرة الثانية لزيارة العاصمة الأرمينية “يريفان” فى أقل من عام، خلال الزيارة الأولى رأيت شعباً متمسكاً بهويته وثقافته ودينه بشكل يدعو للتعجب والتأمل، وبعد الزيارة الثانية خرجت بثلاث مشاهد تؤكد يقينا أن هذا الشعب لا ينسى هويته وثقافته وآماله وطموحه.

المشهد الأول: “يريفان” العاصمة مدينة جميلة ومنظمة ومنمقة، وتعتبر متحفا مفتوحا تحت السماء، يسكنها حوالى مليون نسمة فقط، وكل ما بداخلها يعبر عن تاريخ كبير وحضارة أكبر، تضم خمسة متاحف وثلاث مسارح ودارا للمخطوطات ودار للأوبرا و19 مكتبة، و17 مركزا ثقافيا، كل هذه المنابر الثقافية تحمل على عاتقها التعبر عن الهوية واللغة والثقافة والفنون الأرمينية.

المشهد الثاني: شعب الفنون والثقافة، إذا أردت أن تعطى لقبا للشعب الأرميني فإنه يستحق بجدراة لقب شعب الفنون والثقافة، فلا شارع يخلو من تمثال أو أثر أو رمز فني، كل ساحة أو ميدان منظم بشكل جمالى بديع، وإذا أردت أن تدخل دار الأوبرا أو أحد المسارح ربما لا تجد مكانا لك من كثرة المترددين، مما حول طرق العاصمة التى تملؤها الثلوج إلى حياة دافئة بمختلف أنواع الفنون، وكلها لا تعبر إلا عن هوية واحدة، الهوية الأرمينية.

المشهد الثالث: دار المخطوطات الأرمينية “ماديناتاران”، والتى تحفظ بداخلها الذاكرة الوطنية الأرمينية على مدار حوالي ثلاثة آلاف عام، ذلك البناء البازلتي الضخم، القائم على رابية فى نهاية ماشدوتس – واضع الأبجدية الأرمينية-، والتي تستخدم أحدث أساليب الحفظ والأرشفة والفهرسة، وتضم بداخلها ما يقرب 17000 مخطوطة و3000 آلاف وثيقة من بينهم حوالى 600 مخطوطة باللغة العربية، وتعود بعض المخطوطات إلى العصور القديمة وباللغات العربية والفارسية والسريانية واليونانية واللاتينية واليابانية والهندية، فى ميادين التاريخ والفلسفة والحقوق والطب والرياضيات والفلك والأدب والفنون، وتعد أحد أهم رموز الثقافة الأرمينية.

المشهد الرابع، ذكرى الإبادة الأرمنية، من أهم المشاهد التي تؤكد لك أن هذا الشعب لا ينسى ولن ينسى، يبدأ المشهد أمام دار الأوبرا بيريفان عشية يوم الرابع والعشرين من إبريل الماضي حيث خرجت جموع الشعب الأرميني من كل أنحاء أرمينيا وليس من العاصمة وحدها يرفعون اللافتات التى تند بما تعرض له من تعذيب وقتل وتشريد خلال الحرب العالمية الأولى، وفى صبيحة اليوم نفسه خرجت جموع الشعب فى مختلف الأعمار يحملون الزهور إلى النصب التذكارى للإبادة، والأعجب ما رأيته يوم الخامس والعشرين فى مختلف شوارع العاصمة الأرمينية، المدراس تصف أطفالها من مختلف الأعمار فى صفوف طويلة وتنطلق بهم إلى النصب التذكارى، مما يجعل المشاهد تتكامل لتعطيك تأكيدا أن هذا الشعب لا يفصل بينه وبين أحلامه شيء حتى الموت.

موقع vetogate

Share This