مجتمع طائفي بامتياز… الطائفية الخامدة وتخبط المجتمع…

بقلم بيتروس بيتروسيان

مجتمع طائفي بامتياز (1)

ثقافة المجتمعات في الدول المتحضرة أو حتى في الدول الغير متحضرة منها تبنى على أساس المواطنة، وخاصة في الدول التي تتكون من مجتمعات متعددة الأعراق والقوميات والأديان، وتبقى الدولة الإطار الجامع والموحد الوحيد لسقف تطلعات وأهداف هذه المجتمعات وهي الدائرة التي يسعى ويساهم كل فرد ومواطن فيها على تحقيق رؤيته وأهدافه التي تساعد في نهوض وتطور تلك الدولة خارج مفهوم القومية أو العرق أو الدين، مع حقه المشروع على الحفاظ على عاداته وتقاليده وعقيدته..

بيد أن الأمر مختلف في مجتماعاتنا الشرق أوسطية عامة والعربية خاصة، فثقافة هذه المجتمعات مبنية على أساس طائفي غير معلن على عكس مفهوم المواطنة، فيعمل كل مجتمع أو تسعى كل طائفة على تغذية الروح الطائفية عند أفرادها وتلغي مفهوم المواطنة والشراكة في هذه الدول وتجعل منها حاضنة طائفية وبركان مؤقت قابل للانفجار في أية لحظة، وتعتبر الطائفة فوق الدولة وقدسيتها.. أين كانت تختبئ كل هذه الطائفية، وممن ورثنا كل هذا الحقد في مجتمع لم يعهد أن يكون كذلك، مجتمع كان فيه الإنسان إنساناً.. فهل كانت مجتمعاتنا طائفية، فيما كنا نحن تائهين أو غافلين؟..

وأين كانت تخزن هذه المجتمعات هذا الكره، وكيف كنا نتعامل مع بعضنا البعض وضمنياً لم نكن نتمنى ونود رؤية من هو ليس من ديننا ومذهبنا وطائفتنا أو من عرقنا؟..أم كان كل هذا يحصل مع علمنا ولكننا كنا صامتين ننتظر لحظة الرد…

ولكن لماذا؟.. عند متابعتي و قراءتي لتقارير إخبارية أو مقالات للإخوة الكتاب المحترمين في هذا الموقع أو في مواقع الكترونية عربية أخرى، وبعد الاستفادة من الأفكار والآراء والتحاليل والفلسفة المتعددة للكتاب والسياسيين والمحللين الأفاضل وتغذية معلوماتي، أهتم بقراءة التعليقات مثلي مثل جميع الأفاضل الذين ذكرتهم، لأن رأي القارئ والمتابع المحترم مهم جداً، ويعتبر من ناحية ثراء لفكر الكاتب ومن ناحية أخرى طريقة لفهم الرأي الآخر، رأي المواطن المثقف والمواطن البسيط والنظيف البعيد عن العمل السياسي، فأحياناً تكون التعليقات أهم من المقالات أو التقارير نفسها، ومن ضمنها ما أكتب، ولكن ما انتبهت له وفي الآونة الأخيرة بالأخص، أن الفكر عند القراء وبعض الكتاب في العالم العربي، قد اخذ اتجاها مغايرا في تحليلاته وكتاباته و تعليقاته..

في أغلب الاحيان تكون التعليقات خارجة عن موضوع المقالة تماماً، وبدلاً من مناقشة الموضوع أو الفكرة التي يطرحها الكاتب في مقالة، أو المحرر في تقرير ما، والوصول لنتيجة تفيد القارئ والكاتب نفسه والرأي العام، وخلق محور يتحاور فيه الجميع ويتبادلون فيه الآراء، والوصول إلى نتيجة قد يتفق عليه البعض ويختلف عليه البعض الآخر، تتجه التعليقات والانظار، لتحليل انتماء الكاتب وجنس وجنسية الكاتب، ودينه وعرقه، قوميته وتوجهاته، وصفه أو شتمه ولعنه، وعدم تقبل رأيه كرأي لشخص يمكن أن يختلف معنا على بعض النقاط أو أغلب النقاط، ولكنه في النهاية يبقى رأياً، من الممكن أن يغنينا هذا الرأي ويزيد في معرفتنا بالأمور، أو لا يغير شيئاً ولا يعطينا اي جديد، سلبياً كان أم إيجابي، مجرد كلام وسرد.. ولكن، أي مقالة، مهما كانت سطحية أو سردية، فإن لم تعطينا الفكر، فتعطينا فكرة عن طريقة تفكير الآخر، والعالم متعدد وهذا لا شك فيه ولا غبار عليه، ويجب علينا تقبل هذا، لكي نكون ديمقراطيين وأحرار، ولكي نستحق ما نطالب به..

الكلمة هي اساس الحياة، وبها تستطيع تغيير كل شيء، وأحياناً، كلمة واحدة تستطيع تغيير العالم كله.. ولكن، ومن استنتاجي الشخصي ومع احترامي لجميع القراء والكتاب، ولا استبعد نفسي من هذا الكلام، لا أجد سوى طائفية حاقدة، طائفية وبامتياز، تسكن في قلب كل فرد فينا، نحلل ونعلق، نقصي ونعطي الحق، نتهم ونخون ونهب الوطنية أو نكفر، على اساس طائفي، فإن كان الكاتب من قوميتي ومن مذهبي ومن ديني، فما يكتبه وإن كان تضليلاً أو كتابة رخيصة، يصبح كتاباً منزلاً “مقدس”، وإن لم يكن من طائفتي فهو أبن زانية ولا يفهم ويفقه شيئاً في الحياة، لقد وصلت الامور بنا إلى هاوية الفكر، وهذا أخطر ما يمكن ان يصل إليه الفرد أو المجتمع أو تصل إليها الدولة ” غياب الفكر”، خاصة إن بدأ الكتاب الأفاضل المثقفين “النخبة ” الكتابة من منطلق ديني أو طائفي أو عرقي، والابتعاد عن المنطق والواقع السياسي أو المقال التحليلي أو الفكري أو الوطني..إن غاب الفكر عن الأمم فيستحيل الصعود إلى القمم.. كما هو حالنا اليوم، نطالب بكل شيء ونحن بعيدين من كل شيء..

تفكيرنا أصبح منحصراً في صندوق مغلق لا نرى سوى ما يوجد في داخل هذا الصندوق، ولا نفكر ولو للحظة هل نحن على حق وعلى صواب، أم نحن مخطئين، ولا نعمل على الخروج من هذا الصندوق المظلم المليء بالطائفية والحقد وانعدام الضمير، لقد مات الإنسان فينا، واصبحنا العاب بأيدي من يحملها، يلعب بنا كما يشاء ويهملنا عند الملل أو الانتهاء من اللعب، أو يشتري لعبة جديدة ويرمينا في زبالة التاريخ..

إنها النهاية.. فجميع الطوائف بدون استثناء منطوية على نفسها ولا تفكر إلا بنفسها، والتربية الطائفية في مجتمعاتنا وراثية تنتقل من جيل إلى جيل، ومن يسمون نفسهم برجال الدين، ومن هم بمراكز القرار في هذه الطوائف، من قساوستهم إلى شيوخهم إلى السياسيين، قلت ذلك وأعيدها، لكي لا أُتهم بالانحياز، الجميع ومن ضمنهم الطائفة التي أنتمي لها، هم أكبر الانتهازيين والمحرضين والعاملين على تحجيم الوعي عند الفرد والمجتمع، وحصره في نطاقه الطائفي ، ولهذه الاسباب كلها، المجتمع هو من يدفع ثمن جشع هؤلاء اليوم..

سوريا ومصر والعراق ولبنان، وما أدراك ما ” لبنان”، أكبر شهود على الواقع الأليم الذي أتحدث عنه، كلنا ” طوائفجية “، وعند السؤال، ينكر الجميع ، فبدلاً من نشر المحبة ومفهوم المواطنة، ننشر الحقد والكره والتطرف والقتل، ونخالف تعاليم جميع الكتب المنزلة وغير المنزلة التي تتناول مفاهيم الإنسانية والمحبة والسلام وقبول الآخر، قبول الإنسان كإنسان، فالدين معاملة وأخلاق واحترام، ” الدين لله والوطن للجميع “، والإنسانية لمن يفهم معناها..

هذا رأيي، لكم أن تقبلوه، ولكم أن ترفضوه، ولكم ان تخّونوا وتشتموا أو تكفروا، أو أن تنصفوا وتعملوا على الخروج من هذا الصندوق المظلم الذي نعيش فيه جميعنا.. فلا أقول إلا الحقيقة الفاضحة التي يخاف الكثيرون من النخبة السياسية في مجتمعاتنا من قولها، ولكن وفي نفس الوقت هناك أيضاً الكثير من الوطنيين يحاربون هذا المنطق، المنطق الطائفي والواقع والصمت الذي نعيش فيه، وهذا ما يمليه علينا ضميرينا وواجبنا الوطني، ولا أحاول المزاودة على أحد في الوطنية مع أحترامي الشديد للجميع.. فلنضع المزاودات على طرف وليفكر كل واحد فينا في الوطن…

الوطن فوق كل طائفة وكل مذهب وكل قومية وكل عقيدة، وإن ذهب الوطن، ستتبعثر وتختفي كل هذه الطوائف ولن يتبقى منها سوى حكايات وقصص يذكرها التاريخ، كان يا مكان في قديم الزمان، والتاريخ لا يسامح…

الطائفية الخامدة وتخبط المجتمع..(2)

استكمالاً للمقالة التي كتبتها سابقاً والرؤية التي طرحتها عن الطائفية في مجتمعاتنا واستفحالها وتفتيت المجتمع والوطن.. أعود وأتقاسم معكم هذه الفكرة والموضوع الذي أصبح الشغل الشاغل لشعوبنا ومجتمعاتنا التي تتمزق في كل لحظة تمر، وهي تبحث عن لقمة الخبز، والملاذ الآمن، عن سقف يؤوي شتاتهم، ويحميهم من رشقات الرصاص الكثيفة والقذائف العمياء المتساقطة المميتة، ومن التفجيرات المجرمة الإرهابية، والقناصين الذين يثيرون الذعر في شوارع المدن الجريحة، وأزير الرصاص الذي اصبح صداه يرن في أذن كل مواطن، والأطفال المتشردين الذين يلعبون بفوارغ الرصاص والقذائف، ونساء أصبحن سلعة تباع وتشترى بأرخص الأسعار بطريقة أشبه ” بسوق النخاسة “، في مخيمات العارو المذلة.. عن ماذا نتكلم وحرائر البلد يغتصبن،وأبناءه يقتلون ويذبحون، ولم يبقى هناك وطن، وفي كل مكان انتشر الألم.. أليس هذا كله بسبب الطائفية المميتة التي يتمسكون بها، ويتمسك بها كل فرد في مجتمعاتنا؟..

إن الطائفية في مجتمعاتنا العربية ليست وليدة اليوم، ولا البارحة، ولم تظهر في عهد ” الربيع العربي ” بل ورثونا إياها أجدادنا منذ قرون طويلة جداً، ولكن كلٌ على طريقته وباسلوبه، ولن أدخل في تفاصيلها اليوم فالجميع يعرفها.. إن عدم نضوج هذا المجتمع وقلة الوعي والتخلف الذي أوصلوا إليه الشعوب لعب دوراً أساسياً في دفع الطوائف للانطواء على نفسها والتموضع في خندق الطائفية، وعدم امتلاك الوعي الكافي وضعها في اتون الصراعات الاجتماعية والاقتصادية الطائفية والمذهبية بدل دفعها للانصهار في بوتقة المواطنة والوطنية..ولكن من حجّم الوعي عند الشعب العربي؟.. ومن أوصل الشارع العربي إلى الضياع والتخبط؟..

كان لرجال الدين تأثيراً سلبياً واضحاً على المجتمع، وتحجيم عقول المواطنين، باستعمالهم الدين أداة للسيطرة على الشعوب في مجتمعاتنا المحافظة، بدل استعمال قدسية الاديان لنشر المحبة والسلام والمواطنة، وأقصد هنا جميع رجال الدين بدون استثناء، فهم وباء المجتمعات العربية من رجال دين مسيحيين إلى رجال دين مسلمين وغيرهم من ممثلي الأديان والإثنيات في منطقتنا، فلم يعمل أحد منهم من أجل الوطن، ولا حتى من أجل الدين نفسه، بل عمل كل شخص فيهم حسب أجندات خارجية معينة لها مصلحة في إبقاء الشعوب في أدنى درجات التخلف على جميع الأصعدة، أسرياً، إجتماعياً، سياسياً، أقتصادياً، فكرياً، إنسانياً وغيرها وغيرها… ومنهم من عمل حسب أجندات طائفية أو فئوية أوعائلية أو شخصية، لا تهتم للمصلحة العامة ولا تأبه لمصلحة الشعوب، ولا يعني لهم معنى الوطن والدولة بشيء، ولم يأتي هذا عن عبث، بل كان كل هذا بعلمهم وبتخطيط منهم.. ولن أخوض في هذا الموضوع أيضاً، لأنه بحاجة إلى عمليات بحث ودراسة مفصلة عن كل شخصية دينية بمفردها، ومن طرف آخر الصورة الشاملة واضحة لكل متابع..

أما بما يخص الشق الثاني، سنتكلم عن الأنظمة الشمولية وتوابعها، التي كانت لها طريقتها الخاصة بالتعامل مع الظروف المفروضة مسبقاً، وقلب الموازين والأمور كلها لمصلحتهم والاستفادة من الأمر الواقع، والتخلف المفروض على الشعوب، وزاد ذلك الطين بلة، فجائت هذه الأنظمة لتستعمل كل هذه الأوراق وتلعب على جميع الأوتار بدراية ودراسة معمقة لخلفية مجتمعاتنا واستعداديتها لتقبل هذه الأمور، ولأن مجتمعاتنا ومع الاسف تعتبر من المجتمعات المسيرة التي لا تملك القدر الكافي من الوعي الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لاتخاذ قراراتها باستقلالية والنهوض بشعوبها إلى أدنى مستوى من الرقي والحضارة.. استعملت هذه الأنظمة الشمولية التي هي بالاساس مسيرة من قوى خارجية أو طائفية أو فئوية، رجال الدين والسياسيين.. رجال الدين المسيرين من قبل السياسين، والعكس صحيح أيضاً، ومن هم في مراكز القرار في الطوائف، وبعض الأفراد من المجتمع ذوي النفوس المريضة الذين يعملون على نشر الكراهية والحقد واضعاف وتقسيم المجتمع وخلق ظروف وعوامل تساعد على زرع الفتن الطائفية في هذه المجتمعات ذات القابلية والجاهزية الكبيرة والمؤسسة أصلاً على الطائفية الدفينة الخامدة، لتبقى منفردة بالسلطة، والتعمد على تغييب البرامج التوعوية والفكرية التي تسعى إلى تطوير المجتمع وتعمل على ترسيخ وتعزيز منهج الوسطية والاعتدال ما بين أطياف المجتمع الواحد أو حتى مع مجتمعات أخرى مختلفة، خلق مجتمعاً يتخبط يغوص ويغرق في جهله.. فبقدر جهل المجتمع وتخلفه بقدر ضمان واستمرار الحاكم في سدة حكمه..

إذن الأسباب كثيرة، وهذه الأسباب هي من أهم الأسباب الرئيسية والأساسية لإشعال النار وزيادة حدة الفتنة الطائفية الخامدة لإشعار آخر..

في جميع الاحوال أصبحت الطائفية تجارة من نوعية فريدة، كانت حصراً على مجتمعاتنا، بينما اليوم أصبحت تجارة حصرية غربية بمفاهيم وعقول عربية، تدر عليهم أموالاً طائلة.. المادة عربية، ووقودها عربي، والمستهلك عربي، يعني بالعربي المشرمح، صنع في عربستان، والبائع والشاري عربي.. ومن المستفيد؟؟..سؤال يطرح نفسه..

إن عوامل وأسباب انهيار القيم في المجتمع متعددة، ومنها غياب الاحترام وانعدام الثقة بين أفراد المجتمع، وعدم تقبل الآخر، عدم تقبل الاختلاف والسعي إلى الخلاف، غياب العدالة الإجتماعية والعمل على تحقيق مكاسب شخصية أو طائفية بعيدة عن مفهوم الدولة والوطن والمواطنة، انعدام مفهوم الإنسانية، واتباع منهج العنف كوسيلة لإيصال فكرة أو وجهة نظر وفرض سيطرة أحادية الطرف، والكثير من الأسباب المتعددة الأخرى التي تحتاج إلى مقالات ودراسات علمية اكاديمية لشرحها… نريد دولة تحمل شعار القانون والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والسياسية والدولة المدنية، لها قاعدة اقتصادية قوية وصلبة قادرة على النهوض بشعبها، لا نريد دولة طائفية ولا حرب أهلية ولا دولة مقسمة، نريد دولة في مصاف الدول المتقدمة دولة تفتح زراعيها لكل مواطنيها ومن كل الاطياف والمكونات من الداخل إلى الخارج، نريد المشاركة في بناء هذه الدولة لا في تدميرها… وإلا!!…  إن القادم أعظم، ومن منظوري المتواضع مع أني أُعتبر شخصاً متفائلاً بشكل عام، ولكن في هذا الشأن أبدوا متشائماً وجداً، وأعتقد أن الحرب الطائفية لم تبدأ بعد، فإن بدأت ستحرق كل شيء من حولها، كل شيء، وأتمنى أن أكون مخطئاً… فعندما يقتل الأخ أخاه ويدمر المواطن وطنه…عندها ينهار”كل شيء” ولا يبقى سوى الرماد… ” رحم الله امرئ عرف قدر نفسه، فوقف عنده.. وما هلك امرؤ عرف قدره “.

[email protected]

Share This