قصة “ميلكون آغا” لهاكوب بارونـيان

بعد عناء أعمال النهار ليس لميلكون آغا القدرة أن يذهب مشياً على الأقدام إلى البيت ولذلك قرر الذهاب بالترامواي، فرمى بنفسه في مقطورة الترامواي حيث بقي مكان لشخص واحد فقط.

وما إن جلس ميلكون آغا حتى دخل المقطورة شخص ممتلئ ومتوسط القامة، وعندما رأى ميلكون آغا قال:

  • أنا سعيد جداً لرؤيتك هنا.

فأجاب ميلكون آغا:

  • وأنا أيضاً.
  • أريد أن أحدثك بموضوع، لكن بداية هل يمكنك أن تعطيني مكاناً؟ إن فتحت لي مكاناً صغيراً يكفيني ذلك، أنا أستطيع أن أحصر حالي، أصلاً أنا شخص صغير الحجم.

ولكي يعطي ميلكون آغا مكاناً لصديقه يتلفت يميناً ويساراً، ويضع ركبته اليمنى على الركبة اليسرى ويسعى أن يصغّر حجمه. فيقول صديقه في هذه الأثناء:

  • آه، لا تضايق نفسك من أجلي، أستطيع أن أحشر نفسي هنا.

ويجلس على ركبة ميلكون آغا وكأنه وجد مكاناً.

  • ألا تتضايق..
  • أبداً، أبداً، ارتح أنت، أعتقد أنني ضايقت قليلاً.
  • لا.
  • إنه فصل الشتاء الآن، إن جلسنا قريبين جداً نتدفأ.
  • نعم.
  • أرجوك قل لي إن تضايقت.

فيجيب ميلكون آغا وهو بالكاد يتنفس:

  • لا.
  • شو في شو ما في ميلكون آغا؟
  • لا شيء.
  • كيف حال عائلتكم، هل الأطفال بخير؟
  • يسألون عنك.
  • الله يحييهم.

وتبدأ ركبتا ميلكون آغا بالتخدّر ويسيل العرق من جبينه. ما عساه أن يفعل، فاللباقة تتطلب أن لا نزعّل أصدقاءنا من أجل أشياء تافهة.

  • أواه يا ميلكون آغا، وهل كنا سنتقابل في الترامواي يا أخي، اجلس مرتاحاً، ألا تمد قدميك..

لا يجيب ميلكون آغا، يقف ويعطي مكانه لصديقه.

  • ماذا، تضايقت؟
  • لا، اليوم جلست كثيراً ولذلك أود أن أبقى واقفاً قليلاً.
  • هذا أمر آخر، اعتقدت أنك تضايقت . إيه ميلكون آغا، (الضوتا) المهر هذا يهدم بيوتنا، ماذا ستكون نهايته، سوف أطّق من التفكير بذلك.
  • معك حق.
  • إنما هذا موضوع مهم جداً وليس بأمر يُترَك على حاله.

ويشد من يد ميلكون آغا لكي يشعره بأهمية الموضوع.

فيجيب ميلكون آغا:

  • إنه كذلك.

يردف الصديق وهو يضرب قدميه بقدمي ميلكون آغا.

  • يا أخي، لا أحد يهتم بهذه الأمور عندنا.
  • أتفهّم ذلك يا أخي، أتفهّم ذلك.
  • حيث أن الفتيات اللاتي ليس بمقدورهن دفع المهر يضطررن للبقاء في البيت.. إنه شيء فظيع يا أخي، ألن تجيب؟
  • وبماذا أجيب؟
  • إنها مسألة حياة أو موت.

كلما تكلم الصديق كان إما أن يربت على صدر ميلكون آغا أو يدوس بقدمه على قدمي ميلكون آغا أو ينعره أو يشده.

وهذا الأسلوب في التحدث ليس استثتاء في مجتمعنا، إنه نوع من الخطابة يتعيّن في ضرب المستمعين.

  • معك حق، يا عيني، لكن ماذا أفعل، أنا أفهم ما تقول.

فيقول كاسبار آغا ويضغط على يد ميلكون آغا بقوة:

  • إنك تفهم علي ولكنك تبقى غير مبال يابي.

فيضحك كل من في المقطورة على هذا المشهد، ولكن صديقنا لا يفهم ويستمر في ضرب ميلكون آغا الذي ينفذ صبره وعندما تصل المقطورة إلى شارع (تشامبرلي طاش) يرمي نفسه خارج المقطورة.

ما كان عساه أن يفعل ميلكون آغا؟ وهل كان بمقدوره أن يقول لصديقه إن ما يفعله يتعارض مع اللباقة وإن ذلك غير لبق؟!

كلا. فاللباقة تقتضي ألا يقال لقليل الأدب بأنه قليل الأدب مطلقاً. ولذلك، فضّل ميلكون آغا أن يُضرَب على أن يظهر غير لبق.

إن كاتب هذه الأسطر قد تواجد للأسف في أحد الأيام بين خطباء على شاكلة هؤلاء وبقيت شعرة كي تتكسر عظامه لو لم ينقذه شخص رحيم بشطارة.

لكن هناك من هم أفظع من الخطباء.

لِنَروِ.

من كتاب “ضريبة اللباقة، من روائع الأدب الأرمنـي الســاخر”، ترجمة د. نورا أريسـيان، دمشق، 2004.

Share This