محمد جابر عن المشروع التركي الثقافي “التركي قادم، فاحذروه”

كتب محمد جابر على موقع سلاب نيوز قبل أيام: أعترف بأنني أكره كل ما يرمز للأتراك، ففي طفولتي تأثرت كثيراً بشخصية جمال باشا السفاح الذي قتل أحرار بلادي، وكانت تصل لمسامعي ما كان يجري في بلادنا طيلة أربعمئة عام من الظلم العثماني الناتج عن استعمارهم لنا، وحينما كبرت سمعت بمذبحة الأرمن، وكنت كلما التقيت بصديق أرمني سرد لي ما كان يسمعه من الأجداد، عن هول هذه المجزرة وضحاياها الكثر الذين لا زالوا ساكنين في الوجدان الأرمني.

لم أكن أصدق حادثة السفينة التركية المتوجهة لسواحل غزة لفك الحصار، وحتى حينما قيل ان سبعة أتراك قُتلوا، وبأن الحكومة التركية تتجه لقطع العلاقات مع العدو، شعرت وكأنه ثمة مسلسل تركي قيد التحضير، في محاولة لإعادة أمجاد الدولة التركية من البوابة الفلسطينية. ومؤخراً وبعد الذي حصل بالموضوع السوري، أيقنت بأنني كنت على حق بذاك التفكير، فالسياسة التركية جلبت للعالم العربي المزيد من العنف والقتل وحاكت المؤمرات، وتسببت بآلاف الضحايا، وبخطف تسعة لبنانيين ومطرانين من حلب، وهي تحاول إعادة مجدها الغابر على حساب أمننا وراحتنا، وتُسدي خدمة مجانية للعدو الإسرائيلي.

كل هذه الأمور انعكست أيضاً على نظرتي للمسلسلات التركية التي اجتاحت شاشتنا بشكل كبير، وباتت تسجل النسبة الأكبر من المشاهدة، وكأنها محاولة للدخول من النافذة والسيطرة على عقول العرب وأفكارهم.

رغم محبتي لمسلسل تركي واحد وقد شاهدته مصادفة، وهو يسرد قصة المشاكل العائلية في زماننا الحاضر، من خلال الحديث عن قصة عائلة “علي رضا بك” ذاك الرجل المكافح والمتمسك بالمبادىء والقيم في زمن المصالح الضيقة، إلا ان إعجابي بهذا المسلسل لم يكن دافعاً لأن أغير وجهة نظري بالأتراك، بل اعتبرت ان شخصية “علي رضا بك” هي شواز للقاعدة العامة في تركيا.

واليوم وبعدما ازدادت نسبة مشاهدة اللبنانيين للمسلسلات التركية، وترك البعض لأعمالهم ومصالحهم والتفرغ لمشاهدة هذا المسلسل أو ذاك، ومع التراجع المخيف في الدراما المحلية، بدأت أشعر بخطورة اجتياح من نوع آخر، سيكون تأثيره أكبر بكثير من الإجتياحات العسكرية، ألا وهو اجتياح الفكر الإجتماعي التركي، الذي يأتي في سياق سياسة مشبوهة للأتراك، وسيكون تأثيره أكبر بكثير من الزمن العثماني، كونه يخاطب الأفكار والغرائز والعقول، ويدمر قيمنا المحلية، من خلال القضاء على ما بقي منها في زمن العولمة.

كلما شاهدت أحداً من أفراد عائلتي أو بعضاً من الأصدقاء أو الأصحاب، يتابع مسلسلاً تركياً أشعر وكأن المؤامرة تقترب أكثر منا وتنجح في النيل من ثقافتنا، فتركيا تمثل فيما تمثل نموذجاً معاديا للعرب، وخطراً حقيقياً من كل النواحي، وهي تملك مشروعاً معادياً للعرب، وهو ليس محصوراً بالسياسة بل له إطار ثقافي واجتماعي وإنساني.

وبعد سنوات طويلة، لا زالت أحداث اليوم تربطني بتاريخ الماضي، فالأسماء تغيرت ولكن المشروع واحد، في زمن الأجداد كان هناك جمال باشا السفاح واحد، أما اليوم فقد كثر السفاحون بأسماء مختلفة، في الماضي كان “التركي” يعيش بيننا ويسيطر علينا مباشرة، أما اليوم فهناك محاولة للسيطرة عن قرب ثقافياً واجتماعياً وسياسياً، العالم تغير عن الماضي، ولكن الأطماع هي هي لم تغير، وأخذت أشكالاً جديدة.

قد تكون مواجهة المشروع “التركي” الثقافي ومن ثم السياسي متاحة، فيما لو كنا قادرين على اتخاذ القرار، ولكن في زمن الانقسام والشلل العربي، نبدو عاجزين عن المواجهة ومستسلمين، وان كنا في السياسة مشتتين، ولكن مع الأسف حتى ثقافياً لا نملك مشروعاً مقابلاً، من هنا ندق ناقوس الخطر، “التركي” قادم، فاحذروه.

سلاب نيوز

Share This