ونخبك …

للكاتب بوغوص سنابيان

 

بدأ قبل قليل العام الجديد. وصلت قبله الأخبار الجيدة. هناك هدايا مجدداً، هدية للطفل، للأهل، للأخ، للأخت، للأقارب، وللصديق. تمنيات للجميع، الحياة، والرخاء، والسعادة للجميع.

مهما بدا هذا المسنّ القديم المبشر بالجديد كاذباً، مهما كانت نزواته الهرمة كثيرة، سينتظره حتى الناس المقرّحون بالألم الذي يعتصر أرواحهم، يستميلون الأوهام ويستسلمون للآمال.

لا تمر سنة إلا ويعطي الناس والأشخاص الألم. لكن اليوم لن يزيد الآلام ألماً، ففي هذه اللحظة كل قلب هو أخدود، مستعد لينفجر بالسعادة.

في الخارج، في قلب كل شخص إشراقة ما، صفاء ما.

وتبدو الكلمات لها عمق مختلف، والنبيذ له طعم آخر. الآن العالم كله عذب، والناس كلهم طيبون.

كم هو جيد العام الجديد. الفرح في كل مكان، والشفاه ترتجف للصلاة.

-البارحة لم يكن جيداً، اجعل غدنا جيداً. قضينا أياماً جميلة، كررها وزد عددها.

اجعلها أكثر.

لتكن كذلك تحت كل الأسقف، كذلك في كل البيوت.

لكن هناك قلب في العالم لا ينبض بنفس المقدار والشكل، هناك قلوب، وجموع، وشعب منتشر، في هذه اللحظة مثل الجميع يشرب ويفرح مع ولده ووالده وأخيه لكنه لا يبقى في محيطه، لا يستطيع، يذهب الى مكان آخر، ويأخذ معه آخرين، الى مكان آخر، خلف شوقه، هناك، حيث البلد الذي لم يره، ليملأ الجزء الفارغ من روحه بمقدسات أرض الوطن، ربما هو الجزء الأكبر، والزاوية الأكثر قدسية.

الآن، هناك شخص ما يجلس على طاولة عامرة يحلم بأرمينيا.

الآن، هناك طفل ترك ألعابه، ويحاول لفظ اسم وطنه أمام العيون البديعة لمَن حوله.

الآن، إنها لحظة قمة السعادة، وهل يمكن أن يغيب حداد أرمينيا، ومجد أرمينيا من هذه اللحظات.

أي معنى للعام الجديد، وأرمينيا لا تتجدد في الأرواح.

أي معنى للاحتفال، حين لا تلمع صورة وطن الأرمن في كؤوسنا.

أي يوم، حين لا ينبض فيه الشوق الى جبل أراراد.

يقولون، داخل كل أرمني، هناك أراراد. وهذا صحيح، داخل كل روح هناك شعاع ميسروب1.

سنبقى اليوم حتى الصباح أمام المائدة، لكن من يمكنه أن يشبعنا حتى الصباح، إن لم تكن الأغنية والقصيدة والخطاب، كل شيء، والألوهية.

أحدهم، أفرغ كأسه الأولى وشرب نخب أرمينيا، ووعد أرمينيا بشيء ما.

أفرغ الكأس الثانية وشرب نخب الأرمني في المهجر، وتذكر قصة الأرمني المهجَّر، واستفاض في الكلام.

ربما، هنا تكمن قوة الإنسان الأرمني، في الوعد والقسم والاستفاضة، في الاضطراب والجنون بالمقدسات.

إنها عشية الفجر الجديد، جلبة وموائد، وأجواء، ومعنويات مرتفعة، السعادة للجميع، لكن عند النخب، فالكأس الأولى للإنسان الذي ينبض قلبه بالشعور العام، ونخب أراراد الذي يعيش فيه، وشعاع ميسروب. ونخبك، أيها الطفل الذي لفظت للتو اسم وطنك متلعثماً، للثرثرة الجديدة المنطلقة الى الحياة الممتزجة بالأغاني الوطنية، وللعابر الآمن الذي سيأخذ دمنا الى الأبدية، لحبي الجديد، نخبك…

 

1968

(من مجموعة قصصية “داخل وكرنا”، بوغوص سنابيان، بيروت، 2007، ص 219).

 

ترجمة د. نورا أريسيان

 

 

لمحة عن الكاتب بوغوص سنابيان

 

كاتب وناثر وناقد أرمني معاصر يعيش في لبنان. من مواليد جبل موسى عام 1927. عمل في التدريس والتحرير. شغل منصب رئيس تحرير مجلة (باكين) الأدبية الأرمنية في بيروت. كما ترأس تحرير الصفحة الثقافية في جريدة (أزتاك) الأرمنية الصادرة في بيروت لسنوات طويلة.

له مشاركات كثيرة في عدد من المجلات والصحف الأرمنية من خلال العديد من المقالات الأدبية والنقدية.

من أبرز مؤلفاته: مجموعات قصصية بعنوان تقاليد الفقراء (3 أجزاء) 1983، “اللقلق” 1984، “أعياد ميلاد” 2001، و”داخل وكرنا” 2007، وغيرها.

1 (ميسروب ماشدوتس هو مخترع الأحرف الأبجدية الأرمنية)

Share This