أردوغان وسقوط شهوة السلطة

بعد أكثر من عشر سنوات على حكم حزب العدالة والتنمية، وبعد نحو ثلاث ولايات متتالية من ممارسة رجب طيب أردوغان سياسة على طريقة السلاطين بما فيها من استبداد وعجرفة وتسلط وقمع، أنهت الانتفاضة الثورية التي انطلقت من ميدان تقسيم باسطنبول شهوة السلطة لدى أردوغان، وبات الأخير كأي دكتاتور يقمع شعبه بالقوة، لتخلف المواجهات التي عمت المدن التركية خلال الأيام القليلة الماضية آلاف الجرحى ولتعتقل قوات الأمن آلافاً أخرى من الناشطين الذي يمثلون مختلف شرائح الشعب التركي على اختلاف مشاربه السياسية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما الذي أوصل الأمور إلى ما وصلت إليه في تركيا؟ وما الذي جعل شرارة ميدان التقسيم تنتقل مثل النار إلى باقي الساحات في معظم المدن التركية الأخرى؟ دون شك، لسان حال الجميع في تركيا يشير إلى أردوغان بالاسم، فالرجل يتصرف بطريقة متعجرفة مع الشعب التركي وثقافته وقيمه إلى درجة وصل الأمر به قبل أشهر قليلة إلى وصف الصحفيين المنتقدين لسياسته بالكلاب، وإلى إطلاق صفة طائفية على قادة المعارضة العلمانية من أمثال رئيس حزب الجمهوري كمال كليجيدار أوغلو، إذ لا يتوانى أردوغان عن وصفه بالعلوي، بل حتى لم يتوان عن وصف عشرات آلاف الذين تظاهروا ضده بالزعران واللصوص.

في الواقع، إن ما يجري في تركيا هذه الأيام ليس وليد لحظة، أو أن سببه قطع بعض عشرات الأشجار في ميدان التقسيم، وإنما نتيجة جملة من الأسباب والمقدمات والعوامل التي هيأت للبركان الشعبي الذي يشكل البداية الفعلية لنهاية حكم أردوغان ودكتاتوريته. ولعل من أهم هذه الأسباب:

1- إن حزب العدالة والتنمية خلال العقد الماضي ومن خلال خطوات تكتيكية تغلغل في مجمل المؤسسات التركية، وفرض عليها ايديولوجتيه الإسلاموية تحت شعار الإصلاح، فسيطر على القضاء والجامعات والتعليم…. وبدأ بفرض إجراءات أدت إلى تقويض الحريات العامة والشخصية في البلاد خاصة بعد كتم صوت الإعلام واعتقال عشرات الصحفيين ومئات الناشطين والحقوقيين، وهو ما أدى إلى استياء شعبي عام بدأ يحس بالاختناق حتى تفجر غضبه في ميدان التقسيم.

2- إن حزب العدالة والتنمية الذي وصل بفضل اللعبة الديمقراطية إلى السلطة، تحول بعد عشر سنوات من الحكم إلى حزب شمولي دكتاتوري، وبدأ بإقصاء وتهميش المعارضة السياسية والتي تمثل تيارات سياسية تاريخية ترسخت في الوجدان التركي والثقافة الاجتماعية والمدنية، وهو ما دفع بمجمل القوى الديمقراطية واليسارية والعلمانية والنسائية والمجتمع المدني إلى التوحد والتحرك معا ضد سلطوية حكم أردوغان.

3- إن أردوغان وبحكم أيديولوجيته الإخوانية وحضور البعد الطائفي في توجهاته السياسية وطموحاته العثمانية، قسم المجتمع التركي طائفيا في مرحلة حساسة من تاريخ المنطقة، فبات المجتمع التركي منقسماً طائفياً وسياسياً وقومياً.

4- إن أردوغان الذي وعد مرارا بتحقيق الديمقراطية لم ينجح في حل جملة من القضايا والمشكلات المزمنة في تركيا، بل ساهم بوعوده الكاذبة ومحاولته الالتفاف على هذه القضايا تحت عناوين براقة إلى تفاقمها وقفزها إلى سدة المشهد السياسي التركي.

5- إن أردوغان الذي وعد بسياسة صفر مشكلات وإقامة عالم إسلامي له عمق شرق أوسطى يجعل من المنطقة قوة كبيرة في مواجهة استهداف الغرب انقلب على هذه السياسة وعاد إلى ربط تركيا بالغرب كليا وجعلها أداة وظيفية في الإستراتيجية الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط، وهو ما أدى إلى بدء خسارته حتى قاعدته الشعبية مؤخراً كما تشير آخر استطلاعات الرأي.

6- إن التجربة الاقتصادية لحكم حزب العدالة والتنمية التركية رغم أنها نجحت في تخليص تركيا من الديون وتحقيق نمو اقتصادي جيد والحد من نسبة البطالة ولكنها لم تنعكس إيجابي على مستوى الحياة المعيشية للناس في وقت تقول فيه التقارير التركية نفسها إن ثمة فساداً مالياً واقتصادياً منظماً بدأ يظهر داخل أوساط حزب العدالة والتنمية، أدى إلى ظهور بورجوازية تركية جديدة مرتبطة بحزب العدالة على حساب الاقتصاد التركي كدولة ومجتمع.

دون شك، مجمل هذه الأسباب والعوامل والمقدمات هي التي تقف وراء انطلاق شرارة ثورة ميدان التقسيم في اسطنبول، وهي ثورة أسقطت الخوف في نفوس الأتراك وحررتهم من سلطة أردوغان وأظهرت هشاشة أحلامه وحقيقة طموحاته الجامحة.

الوطن

Share This