سوري أرمني لأجل وطني

بقلم المهندس باسل قس نصر الله

“كل ارمني يخدم سورية فكأنه يخدم أرمينيا”

كنت مطرقا قليلا الى الارض استمع للحوار الدائر بين “فاتيه سركيسيان” وكان حينها رئيس اكاديمية العلوم الارمنية – حسب ما اذكر – وسابقا كان رئيس وزراء ارمينيا في الحقبة السوفياتية، وبين العميد احمد دياب قائد شرطة محافظة حلب وهو الذي كان ينوب عن المحافظ لشغور الكرسي وذلك في العام 2000.

تمعنت بتقاطيع البروفيسور سركيسيان، كان قد قال جملته بهدوء، ثم أردف قائلاً: “ان العقول الارمنية التي ساعدت الاتحاد السوفياتي باختراع اهم تقنياته ومنها العسكرية (وخاصة طائرة الميغ نسبة لميغويان) مستعدة ولا شك لمساعدة سورية.

كان البروفيسور سركيسيان قد قَدِمَ الى سورية بمناسبة تخصيص الكنيسة في مركدة (الواقعة على مسافة اقل من مائة كيلومتر من مدينة دير الزور) كمزار دائم لكل الأرمن في العالم، نتيجة اكتشاف الكثير من الهياكل العظمية في هذه المنطقة والتي تعود الى اخوتنا الأرمن خلال هجرتهم القسرية عام 1915 من تركيا الحديثة وريثة الخلافة العثمانية، والتي ذهب فيها – نتيجة الأعمال اللانسانية والوحشية التي مارسها عليهم الاتراك – حوالي مليون ونصف ارمني اضافة الى الاعداد الكبيرة من القتلى المنتمين الى طوائف الأشوريين والسريان الارثوذكس والكلدان وغيرهم من الأقليات والتي عرفها التاريخ بتسمية مجازر الأرمن.
وللمرء ان يستشهد بالرسائل الاستثنائية العائدة الى عام 1915م للسفير هنري مورغينثو (HENRY MORGENTHAU) من مركز عمله في تركيا العثمانية، حيث اورد فيها تقارير قنصلية واستخباراتية ليقدم فيها صورة عن مذبحة الدولة المتعمدة للأقليات الأرمنية والتي شكلت الأبادة الجماعية الاولى للقرن العشرين. (ولأن مصطلح “ابادة جماعية” لم يكن قد ابتُكر بعد، لجا السفير مورغينثو الى مصطلح “القتل العرقي” وهو بطريقة ما اكثر تعبيرا).

وقد تشتت الأرمن الناجون من عمليات الابادة العرقية التي نفذتها الحكومة التركية الاتحادية الى بلدان مختلفة في العالم وتَرَكَ هؤلاء الى قدرهم الحالك كي يجروا حياتهم ” كأرمن مهاجرين” ومواطنين من الدرجة الثانية . ونجح العالم النرويجي – الحائز على جائزة نوبل في تأمين هوية عصبة الامم لهؤلاء وكانت تحمل اسمه “هوية نانس” الا ان تلك الهوية لم تؤمن للارمن وضعية متساوية مع السكان المحليين. لكن كان الوضع مختلفا جدا في سورية لان الحكومة السورية منحت لجميع هؤلاء حق المواطنة من دون تلكؤ او أدنى تمييز ابتداء من عام 1923.

كانت القبائل العربية في سورية هي التي احتضنتهم اضافة الى الجمعيات الخيرية السورية فكان لابد للأرمن ان يحفظوا الود الخالص لسورية أرضاً وشعباً.

لمَع الأرمن في سورية، فكانت اكبر ورشات التصليح في حلب حيث كانت قد تأسست الجالية الارمنية في نهاية الحرب العالمية الاولى، إضافة أنه بين الحربين العالميتين في العشرينيات والثلاثينيات كان كل السائقين تقريبا في سورية من الأرمن و هم اول من ادخل تقنية التصوير الضوئي الى منطقة الشرق الاوسط إضافة الى الكثير مما برعوا به.

ان احد أبطال سورية وهو المجاهد ابراهيم هنانو لفظَ انفاسه الاخيرة وهو بين يدي الممرضة الأرمنية أرداشيس بوغيكيان.

منذ مدة وخلال احدى زياراتي الى فرع الهلال الأحمر في مدينة حلب، لأشكر الأخ هائل عاصي مدير الفرع على عملهم في مجال المساعدات الانسانية التي يوزعونها على كل الاطراف ويعملون تحت ظروف اقرب الى الجحيم منها الى الانسانية، رأيت فتيات في عمر الزهور يقمن بنقل صناديق مساعدات من شاحنة وهم يلبسون صدرية مكتوب على ظهرها : “سوري أرمني من اجل وطني”.

عندما نَسيَنَا الأقربون في دمشق وهم يُقدمون – في كثير من الأحيان – على الورق مساعداتهم وقراراتهم وتطميناتهم التي لم يُنفذ منها الكثير الكثير لم ينسَنا الشعب الأرمني الشقيق وليس الصديق.

28/6/2013

المصدر : خاص عالم بلا حدود

Share This