كوميداس وخاتشادوريان في مصر

الدكتور محمد رفعت الإمام

استقطبت مصر في تاريخها الحديث والمعاصر طائفة من نوابغ الفكر والثقافة والفن في جميع المجالات. فمنذ قرن كامل من الزمان زار المحروسة رائد الموسيقي الأرمنية الحديثة الموسيقار سوغومون سوغومانيان ( 1869- 1935 ) الشهير ب”كوميداس”، تعد هذه الزيارة جدثا كبيرا في الحياة الموسيقية الأرمنية المصرية. ففي أوائل يناير 1911، وجه أرمن مصر عن طريق هوفهانيس موتافياتس – مدير الفرع المصري لمؤسسة النفط مانتاشيف – دعوة إلى كوميداس لإلقاء محاضرات وإقامة حفلات في الإسكندرية.

وفي 29 يناير وافق علي المجيء إلى عروس البحر المتوسط وإقامة حفلة مكونة من الموسيقي الأرمنية والكنائسية والريفية، وإلقاء محاضرتين عن نشأتهما وتطورهما.

واقترح أرمن الثغر على كوميداس إعداد فرقة كنائسية ثابتة لكنيسة بوغوص بدروس للأرمن الأرثوذكس وتنظيم الغناء الكنائسي. لكنه لم يوافق بسبب قصر مدة بقائه في مصر. وقد اشترط أن يكون ثلث أرباح العروض مخصصا له، أما جميع إيرادات المحاضرات فيخصص له وحده من أجل طباعة أعماله. وفعلا تمكن بهذه الطريقة من طباعة كراستيه (أغاني ريفية أرمنية).

على أية حال نظم كوميداس بالإسكندرية كورالا مكونا من 190 شخص من الجنسين، وفي فترة وجيزة دربهم من مؤلفاته الموسيقية علي سبع مقطوعات كبيرة من الموسيقي الكنائسية وخمسة عشر أغنية ريفية، هذا وقد أقيمت أول حفلة في 5 يونيو 1911 علي مسرح الهمبرا بالإسكندرية، ثم عرضت الحفلة الثانية في 16 يونيو عامئذ علي مسرح عباس بالقاهرة. وجدير بالذكر أن حفلتي كوميداس علي أرض الكنانة قد وصفتا بأنهما تجسيد لروح الشعب الأرمني، تلك الروح الحماسية التي لا تستطيع أية قوة أن تكتبها أو تمحوها.

وبعد أربع سنوات من هذه الزيارة، شاهد كوميداس بأم عينيه الإبادة التي اقترفتها إدارة الاتحاد والترقي العثمانية بحق الشعب الأرمني ابتداء من 24 أبريل 1915. ورغم نجاة هذا الفنان من آلة الإبادة العثمانية فإنه عاش ميتا علي مدار عقدين من الزمان إثر ماشاهده ولاقاه!
وبجانب كوميداس استقبلت مصر منذ نصف قرن (1961) الموسيقار الأرمني السوفيتي العالمي آرام خاتشادوريان (1903-1978) وقد مثلت زيارته هذه حدثا فنيا عظيما في الحياة الموسيقية الأرمنية والمصرية. ويلاحظ أن الاحتفاء به لم يكن مقصورا علي الجالية الأرمنية المصرية فقط، ولكنه امتد إلي سائر الدوائر الإعلامية والثقافية المصرية. وبهذه المناسبة منح الرئيس جمال عبد الناصر ( 1954- 1970) خاتشادوريان وسام الفن من الدرجة الأولي ليكون أول أجنبي يحصل عليه ! هذا ويجمع النقاد علي ان خاتشادوريان يعد واحدا من كبار الموسيقيين في العالم، وتتجلي عبقريته الإبداعية في قدرته اللامحدودة علي ترجمة الانفعالات الذاتية إلي موسيقي محكية .

منشور في “آريك” عدد يونيو 2011

Share This