الجزيرة السورية والمصير المنتظر في المثلث السوري التركي الكوردي..

بيتروس بيتروسيان

منطقة الجزيرة السورية، الإقليم الذي يمتد عبر شمال شرق سوريا وشمال غرب العراق وجنوب شرق تركيا، هذه المنطقة الاستراتيجية المهمة، المعروفة في سوريا بـ” الجزيرة “، هذا المثلث الحيوي والخطر، يشهد معارك شرسة في الآونة الأخيرة ما بين قوات الحماية الشعبية الكوردية وكتائب ” جبهة النصرة ” و” دولة العراق والشام الإسلامية” وغيرهم من المجموعات المتطرفة التكفيرية التابعة لتنظيمات إرهابية… فلم تتوقف محاولات جر وادخال منطقة الجزيرة في أتون الصراع الذي دمر سوريا ووحدة سوريا ولحمة شعوبها، هذه المنطقة التي بقيت نوعاً ما بعيدة عن الحرب الدائرة في سوريا والأحداث الدامية في ربوعها…

الجزيرة معروفة بتعددها العرقي والطائفي والمذهبي، ويضرب المثل بها وبالتعايش ما بين أبنائها وشعوبها تحت سقف الدولة السورية وفي إطار المواطنة والوطنية، هذه الأرض الخصبة والغنية بالخيرات والثروات الزراعية والنفطية وغيرها، معرضة اليوم للتدمير ومعها لحمة الطوائف والشعوب الموجودة فيها والذين يسمونهم في سوريا بـ”الجزراويين”، من العشائرالعربية الأصيلة، والكورد، السريان، الآشوريين، الكلدانيين، المحلميين والأرمن وغيرهم من الإثنيات الأخرى المنتشرة على هذه الأراضي المباركة والطيبة منذ بدأ التاريخ إلى يومنا هذا، والتي شهدت أكبر حضارات العالم وأمبراطورياتها…

بدأت القنوات والمحطات الفضائية بشن حملة متوقعة وشرسة ضد الأحزاب الكوردية وأجنحتها العسكرية، وضد وحدات الحماية الشعبية التي تدافع عن المنطقة، بعد سيطرتها على زمام الأمور في ظل الفراغ الذي تركه النظام فيها، ولسد هذا الفراغ عملت الاحزاب الكوردية مع باقي الطوائف في الجزيرة، بتشكيل وحدات الحماية الشعبية من جميع المكونات السورية في المنطقة، لحماية الأرواح والممتلكات الخاصة والعامة والثروات الوطنية… ولكن الأمور ذهبت إلى أبعد من ما تصور البعض، لأن هناك طرف له غاية، هذا الطرف الذي يعرفه الجميع، وهو الطرف التركي العثماني، غايته الأساسية، ليست فقط في السيطرة على المنطقة فحسب وإعادة الحكم العثماني الظالم، وليس فقط في تدمير سوريا، لا بل في قتل شعب كان مضطهدا أصلاً لفترة زمنية طويلة من عدة أنظمة في منطقة الشرق الأوسط، غايته مسح هذا الشعب من على الوجود إن صح له، وأقصد هنا الشعب الكوردي في الجزيرة السورية، هذا الشعب الذي هو جزء من سوريا ومن شعوب سوريا ولا تقل وطنيته عن وطنية باقي الشعوب السورية، وكجزء من هذا الوطن حرصهم على وحدة سوريا وعدم تقسيمها، من حرص جميع المكونات السورية وطوائفها.. والجميع يذكر ما قدمه هذا الشعب من تضحيات للوطن على مر التاريخ من أسماء برزت ليس فقط على الصعيد السوري، لا بل على الصعيد العربي..

سيقول البعض أنني أدافع عن الشعب الكوردي السوري أو عن غيرهم من الشعوب السورية.. فليكن.. أليس الشعب الكوردي السوري  والشعوب الأخرى في سوريا جزء من الوطن الأم سوريا، أليس من حقهم أن يعيشوا كما يعيش باقي السوريين، وأن يتمتعوا بما يتمتع به السوريين، ولهم ما لغيرهم، وعليهم ما على غيرهم من السوريين..لا أحاول إلا نقل الواقع من وجهته الحقيقية، أو من الوجهة التي أراها أنا كمواطن سوري له الحق في التعبير وطرح وجهة نظره ورؤيته، وتوضيح بعض الأمور التي نسيها الكثير ممن أعماهم حب المال ونسوا حب الوطن والتعايش من منطلق الإنسانية وحفظ حقوق الجميع في الوطن والمواطنة بدون استثناء..

إذن بدأت هذه الفضائيات بنقل المشهد السياسي الكوردي وما يجري في الجزيرة، على أنه مشروع انفصالي يحاول تقسيم سوريا.. سؤال يطرح نفسه، لماذا عندما أعلنت مجموعات إسلامية متطرفة  إنشاء دولة أو إمارة إسلامية، لم تقوم الدنيا وتجلس!؟.. لم يتكلم أحد عن التقسيم، ولم تهدد تركيا وترفع وتيرة خطابها لدرجة إمكانية التدخل في الأراضي السورية!؟.. بينما، عند إعلان بعض الأحزاب الكوردية السورية، عن مبادرتها بتشكيل حكومة مؤقتة لملء الفراغ الذي تركه النظام في المنطقة وإدارة شؤون المواطنين الذين لا حول لهم ولا قوة لحين هدوء الأمور في سوريا وإنتهاء الصراع، يقوم من يقوم ويجن جنونهم، ويرسلون التهديدات ويحاولون حقن الناس بالطائفية ويبدأون بالهلوسة وطرح سيناريوهات لا وجود لها إلا في عقولهم، ومن طرف آخر يؤمنون هروب المتطرفين وتجاوز الحدود السورية التركية والدخول إلى الطرف التركي، كما أمنت لهم في ما سبق وتؤمن لهم اليوم دخول سوريا لخرق أمنها وتدميرها، في ما يعتبر محاولة اختراق للسيادة السورية..

ألم تقوم تركيا ودول عربية واقليمة أخرى باحتضان بعض الأطراف، وبالتدخل في الشأن الداخلي السوري بشكل مباشر والاشتراك في اللعبة لتحديد مصير شعوب المنطقة وتشيكل حكومات تابعة لها تحقق مصالحها في المنطقة؟.. والعملية مازالت مستمرة..

الاستغلال التركي لهذا الوضع اصبح متفاقماً، والصراع التاريخي الكوردي التركي في ذروته، أمر يجعل تركيا وغيرها من الأطراف المتحكمة في الأحداث السورية يفقدون مصداقيتهم، مع أنهم فقدوها منذ زمن بعيد جداً.. على كل حال، الأمور واضحة وضوح الشمس، وأخشى ما أخشاه أن يكون هذا كله ليس إلا تحضيراً لدخول عسكري تركي إلى سوريا تحت غطاء دولي على أساس قومي فاشي، مدعين حماية أمن تركيا العثمانية وأراضيها اليوم، التي بالأساس ليست أراضيها، والتاريخ شاهد على ما أقول، فتاريخ تركيا العثمانية السلطوية الدموية معروفة جيداً..

اللعبة السياسية في المثلث السوري التركي الكوردي معقدة، وحتى اليوم كان الخاسر الأكبر هو الطرف الكوردي، والشعب الكوردي، الذي أضطهد ومازال يضطهد وسلبت أبسط حقوقه ببمارسة وطنيته ولغته وثقافته إلى ما هنالك من انتهاكات حرمته حتى من حقوقه الإنسانية.. فكيف لهذا الشعب أن لا يطالب بحقوقه، وكيف عليه أن يبقى هادئاً، وهو اليوم مهدد أكثر مما مضى مع تواجد المجموعات الإرهابية والمتطرفة تحت أمرة القيادة التركية العثمانية.. فما أدراك من هي تركيا؟..

هل هو حلال على من هم منا، وحرام على من نعتبرهم ليسوا منا، ونصنفهم ممن هم “علينا” ؟..

سؤال احتار فيه الكثير، وخشي الكثير اجابته…

فما هو مصير الجزيرة السورية داخل هذه المعمعة السياسية؟..

[email protected]

Share This