“أنا ضد الظلم أينما كان إذ لا يمكن إخفاء الحقائق”،- يقول الفنان المسرحي روجيه عسّاف

Roge-Assafيبادر الفنان المسرحي اللبناني روجيه عساف الى التحية للفنان الأرمني بول غيراغوسيان من خلال عمله المسرحي بعنوان: “مدينة المرايا” حيث يستحضر الماضي من ذاكرة المذابح والهجرة الارمنية والفلسطينية بين ارمينيا المحتلة والقدس وبيروت. فالمسرحية هي قصة كناية عن مصير الشعب، الشعب الآرمني والشعب الفلسطيني وذلك من خلال عرض اعمال ولوحات وافكار بول الذي ولد سنة 1926 في عائلة تهجرّت من ارمينيا المحتلة بسبب الابادة التي تعرض لها الارمن سنة 1915 من قبل الاتراك. ثم تهجرت عائلة بول وكذلك الشعب الآرمني ثانية بسبب نكبة 1948 ونزحوا الى بيروت حيث ترعرع بول وأبدع وعبّر عن ألمه وألم الشعب الآرمني ، من خلال لوحاته التي نالت شهرة عالمية وما زالت حتى بعد وفاته عام 1993.

بدوره ولد الفنان المسرحي اللبناني روجيه عسّاف عام 1941 من ام فرنسية واب لبناني. تابع دراسة الطب في الجامعة اليسوعية ثم تطرّق الى الفن وتخصّص في المسرح في لبنان وفرنسا. له مؤلفات واعمال فنية تدور معظمها حول الحرب وفكرة تجاوزها وقد ناضل روجيه عسّاف من اجل تعاون الفنانين، دون تمييز ديني او عرقي. شغل اواخر التسعينات منصب مدير “مسرح بيروت”. ثم أسّس “مسرح الحكواتي” مع زوجته الفنانة حنان حاج علي التي شاركته بلعب بعض الادوار في اعماله. وفي العام 1997 اسّس مؤسسة “شمس” الثقافية.

روجيه عساف ، الممثل والكاتب والمخرج ، هو من كبار الفنانين ا لمسرحيّين في لبنان والعالم العربي. نال العديد من الجوائز كانت آخرها “الاسد الذهبي” في ايطاليا.

يبدأ عرض مسرحية “مدينة المرايا” يوم الخميس في 18 آذار الجاري ويستمر حتى الرابع من نيسان المقبل على مسرح “دوّار الشمس” في الطيونة.

بهذه المناسبة أجرت جريدة “أزتاك” مقابلة مع الفنان روجيه عسّاف ، اليكم أبرز المقاطع…

.

ازتاك- من بين كل الفنانين لماذا أخترتم الرسّام بول غيراغوسيان لالقاء التحيّة؟

روجيه عسّاف- اولا لانني أعرف بول شخصيا” واكثر من ذلك تربطنا صداقة حميمية فاني لم احب اعماله فقط بل معجب بأفكاره ومنطقه ونظرته الى الامور، وموقفه من الانسان ، من الدين، من الحرب. فهو كان ضد كل انواع العنف والظلم بغضّ النظر عن الجهة الفاعلة . ففي العام 1915 شهدت عائلة بول اروع المذابح التي تعرّض لها الشعب الآرمني من قبل الاتراك ، كما وتعرّضت للتهجير القسري من أرمينيا /المحتلة حاليا”/ ونزحت الى القدس. وبعد فترة نزحت من القدس الى بيروت بسبب مجزرة دير ياسين عام 1948 .

ثانيا”، اعلنت مدينة القدس هذه السنة عاصمة ثقافية، وأصبحت / القدس/ بين هجرتين، الهجرة الآرمنية والهجرة الفلسطينية .. فأحسست بأني يجب أن أحقق حلمي الذي كان يراودني منذ زمن ألا وهو مشروع القاء التحية الى صديقي بول.

ازتاك- ذكرتم عن الهجرة…

روجيه عساف-/مقاطعا”/ عائلة بول تهجرت وهذا جزء مهم في العمل المسرحي الذي أقدمه.

أزتاك- ما هو رأيكم في الابادة الآرمنية خصوصا” أن هناك في الآونة الاخيرة دعوات ونداءأت سلبية تتردّد في الاقرار بقبول فكرة حصول الابادة اللآرمنية، هل يأتي هذا ضمن السياق السياسي؟

روجيه عسّف- بل أسوأ من السياسة اذ لا يمكن انكار أو اخفاء الوقائع، هناك صور ووثائق وشهادات من الناس الذين ما زالوا يحفظون في ذاكرتهم ابشع المناظر … لو كان شخصا” واحدا او عشرة او عشرين ربما كان من الممكن التساؤل ولكن الضحايا بالمليون فكيف يمكن الافتراء او ااختراع الحديث عن الابادة..

أزتاك- نعم فان رئيس حكومة تركيا نفسه اردوغان انكر واعلن بانه “لم تحدث اية ابادة وان الامر كله فبركة”.

روجيه عساف- هكذا موقف أبدته غولدا مائير ايضا /رئيسة وزراء اسرائيل السابقة/ متسائلة “ماذا يعني فلسطينيين، لا يوجد شيء اسمه فلسطين، مع من سنتفاوض” وأنا استشهدت بهذا القول باحدى اعمالي في مسرحية اخرى. فهذه الفكرة موجودة دائما” لدى الطغاة كي يبررّوا افعالهم ويدّعون بانهم ليسوا المجرمين بل الطرف الآخر، اي الضحايا هم المجرمون. هكذا تصرف الالمان مع اليهود والاتراك مع الآرمن واليهود مع الفلسطينيين… اذا. هنا الضحايا هم الآرمن وهناك اليهود وفي فلسطين الفلسطينيون العرب وبالنهاية نصل الى لبنان، فعائلة بول والآرمن وصلوا الى لبنان وكأنهم وصلوا الى الجنّة وبالفعل كان ممكن أن يكون لبنان جنّة لولا الحرب الآهلية المدّمرة. فالتعايش كان ممكن أن يكون شيء حقيقي وليس كلمة. وفجأة بدأت الحرب الاهلية التي كان بول شاهد فيها واذكر ان بول لم يكن منحازاً لأي طرف كان. كلما كانت تحصل مجزرة كان ينحاز مع الضحايا، هنا ام هناك ،في الدامور ام في الكرنتينا ام النبعة. كان يتعاطف دائما مع الضحايا من اي طرف كانوا من الغربية ام الشرقية لم يكن يفرق معه.

أزتاك- رغم كل ذلك ما زال الاتراك يحملون علم السلام مدّعيين انهم مع السلام.

روجيه عساف- مقاطعاً. لا احب ان اعمّم على كل الاتراك لانه خلال المجزرة والهجرة كان هناك اشخاص اتراك من حاولوا ان يساعدوا الضحايا قدر المستطاع.

أزتاك- انطلاقا من هنا يمكننا القول انكم تؤيدون مواقف الدول التي تعترف بالابادة الآرمنية وآخرها دولة السويد.

روجيه عساف- انا لست مع الدول، مواقف الدول لا تعني لي شيئاً . انا عندي موقف مع الناس. يعني ماذا سيتغير …

ازتاك- المهم ان تعترف تركيا ( بالمجازر).

روجيه عساف- الدولة التركية لا تعنيني. خطأ ان اتخذ موقف مع او ضد. انا انسان ولدي اصدقاء ارمن كثر وتربطني بهم علاقات صداقة لأنهم بالنهاية بشر ويشبهوني ويفكرون مثلي وهناك اشياء مشتركة بيننا وهذه هي رسالة المسرحية.ماذا كان يقول بول؟ كان يقول: “انا أرمني وفلسطيني ولبناني وانا بلدي ليس له حدود والله واحد ولا توجد اديان. هن اك رب واحد. يعني يجب ان ننسجم معه.

أزتاك- ذكرنا بول، ماذا عن عائلته، بالطبع هم على علم بهذا العمل الفني، وربما ساعدوك ، هل كان هناك صعوبات او عراقيل؟

روجيه عساف- بالطبع هم على علم. وساعدوني كثيراً في ايجاد المراجع وزوّدوني بالصور واللوحات، فلدي 90 لوحة من اعمال بول هم سلّموني. كانت هنالك صعوبة واحدة وهي انهم بالزلقا وانا ببيروت وليس لدي سيارة .. ويضحك …

أزتاك- ولكن ليس لديهم دور في العمل المسرحي، نعرف ان اولاده ايضا يتعاطون فن الرسم هناك ايمانويل وايماغوس …

روجيه عساف- لا، لا، ابدا” كانوا متعاونين جدا ، اخبروني حكايات كثيرة عن ابيهم (بول) كنت اعرف قسم منها واجهل القسم الآخر. واعطوني صور ولوحات من ابداعات بول…

ازتاك- هل من رسالة من خلال عملك هذا لان الذي حدث في الماضي يتكرر الآن ونرى كيف ان القدس تفرغ من اهاليها الاصليين ..

روجيه عساف- الرسالة هي ان نرفض الظلم مهما كانت خلفيته، دينه، او قوميته، ثم هناك مجازر اخرى حدثت وتحدث مثلاً روندا وبوسنيا ونيجيريا… يعني العصر الحديث حافل بهكذا قصص.

أزتاك- ذكرتم انكم ضد الظلم، هل من اقتراح لتخفيف هذا الالم والظلم، اقتراح لزعماء العالم؟

روجيه عساف – انا لا اخاطب الزعماء بل الناس واقول ان الذاكرة مهم جدا ان تبقى حية . ان الحديث عن هذه المواضيع ضروري جدا، لانه هناك ناس تنسى. انا ضد النسيان، اكبر عدو لنا هو النسيان و”الامنيزيا” / amnesia/.

أزتاك- والشعب الذي ينسى ماضيه لا يمكن ان يعمل للمستقبل..؟

روجيه عساف- صح، مثلاً في الجامعة، خلال التمارين حيث اعرض اعمال ولوحات بول (غيراغوسيان) يندهش الطلاب والعاملين معي على جمال وعظمة اللوحات ولكنهم لا يعرفون شيئاً عن بول، وهم ليسوا مذنبين.

ازتاك- اذا ربما يجب ادخال تلك الاعمال ضمن المنهج الدراسي الجامعي.

روجيه عساف- طبعاً، هذا تاريخنا .

أزتاك- اين انتم من التطور التكنولوجي ، يقال ان العالم سيتحول الى قرية ، كما كان يقول الشهيد رفيق الحريري، ففي ظل هذا التطور والعولمة ماذا تقول عن مفهوم الوطن والهوية والانتماء؟

روجيه عساف- انا مثل بول غيرانوسيان وطني ليس له حدود ولكن هذا لا يعني انه ليس لدي جذور. هناك فرق، يمكن للمرء ان يكون له جذور ويتمسك بها ولم يكن له حدود . انا استعمل ت هذه الصورة دائماً ، كالشجرة التي لها جذور بارض معينة، تتغّذى منها متمسّكة فيها، ولكن من فوق (اي فوق الارض) تتعاطى مع كل انواع الرياح التي تأتي من كل الانحاء.. ولولا الجذور لم تكن هناك الأغصان والاوراق والانتشار…

أزتاك- يعني ضد فكرة المواطن العالمي ((cosmopolitan؟

روجيه عساف-نعم، لأن الانسان ليس كوسموبوليتان. الانسان له هوية وشخصية ولكن أفاقه ليس لها حدود. وهو غني وعنده انتماء ولكنه ليس مواطن عالمي وكذلك هو ليس “سوبرماركت”.

أزتاك- هل هذا العمل هو سابقة مع او عن شخصية فنية أرمنية اخرى؟.

روجيه عساف- كلا، لقد عملت سابقا في باريس وقدمت عملا” عن سمير خدّاج.

أزتاك- هل تودون تكرار التجربة والتعامل مع فنانين أرمن آخرين؟

روجيه عساف- مقاطعاً، هل رأيت انت وتدخلين ماذا كان مكتوبا على عنوان المدخل؟

أزتاك- نعم رأيت كلمة “اريفادزاغيك” باللغة الارمنية ( اي دوار الشمس) واستغربت..

روجيه عساف- مقاطعاً، شيء مؤسف وخطأ أن نستغرب.. انا اعتبر ان هذا طبيعي، فاللغة الارمنية هي من لغات لبنان ويجب ان يكون مكان للكل وان يلتقى الكل. انا ارفض ان اقول ان هذه المسرحية هي مسرحية عن موضوع أرمني وللآرمن فقط.

أزتاك- اي انه موضوع انساني من قصص الفنان الآرمني بول غيراغوسيان.

روجيه عساف – نعم، طبعاً. انا عملت هذا العمل لأني اعرف بول شخصياً، يعنيني شخصياً، كما ان هناك اشياء كثيرة لدى الآرمن يعني لي الكثير. لا احب التمييز. انا اريد ان اعمل مع الكل … مثلا في هذه المسرحية بول هو المحور ولكن هناك ايضا لبنان وفلسطين.

أزتاك- بالعودة الى المسرحية، هل هي تدور حول شخصية واحدة؟ هل يمكننا القول انها “وان مان شو”؟

روجيه عساف- المسرحية فريدة من نوعها . في ال “وان مان شو” ، الممثل يكون المحور الاساسي في العرض. بينما هنا انا الرقم اثنين لان الرقم واحد هو بول فهو حاضر باعماله وبلوحاته.

أزتاك- ماذا عن نشاطاتكم المستقبلية، هل هناك احتمال ان تقوموا بجولة في العالم خصوصا في الانتشار الآرمني؟

روجيه عساف- نعم، احتمال كبير، يا حبّذا لو يتحق وانا ارحب بكل اقتراح او دعوة.

أزتاك- هل من سؤال او اقتراح؟

روجيه عساف- اولا هي قضية انسانية، وثانيا قضية تخص لبنان كون بول كان يقيم في لبنان، كما كانت الجالية الآرمنية وهذا جزء من ذاكرة لبنان وليس فقط من ذاكرة الآرمن .. وثالثا هناك الفكر الذي كان يحمله بول وهو انه ضد كل انواع الظلم ضد الانسان فهذا كان فكر بول غيراغوسيان وانا اتبنّاه.

أزتاك- كما تعلمون انه وبموجب اتفاقية لوزان ( 1923) ممنوع على الآرمن العودة والسكن في الاراضي الآرمنية المحتلة، فاذا افسح امامكم المجال ان تزورو ا تلك المناطق هل تقومون بعمل فني للتعبير عن واقع تلك الاراضي والى ما ألت اليه بغياب اصحابها الاصليّين ، اي الآرمن؟

روجيه عساف- هذه قصة مثل اهل العراق والفلسطنيين والآرمن ويخصّهم اولا، يعني اذا هم ارادوا وتكلموا وأبدوا رغبة بذلك ، نحن يكون لنا دور بالتعبير عن رأيهم من خلال العمل الفني ومن خلالهم، فلا مانع مبدأي..

أزتاك- هناك العديد من الفنانين الآرمن عملوا في مجال المسرح ،امثال برج فازليان، جورج سركيسيان، كاسبار ايباكيان، هل توافقون بأن هناك مساهمة أرمنية في المسرح البناني؟

روجيه عساف- نعم، اكيد، هناك الكثير من الآرمن في كل المجلات وفي كل مكان، مثلا ميراي بانوسيان، فاروجان خدشيان، برج فازليان، كريكور ساتاميان ( في الخارج) وسيمون ابكريان (المقيم في فرنسا) ، بوغوس جلاليان في الموسيقى وغيرهم الكثير .. كذلك هناك أرمن في جمعية “شمس”.

أزتاك- هل من كلمة تود ان توجهها للآرمن اللبنانيين وللعالم وللانسانية؟

روجيه عساف- المسرحية لا تنتهي مع النهاية، يبقى الجمهور، فانا احب وافرح حين يناقش الجمهور العمل المسرحي الذي اقدمه بعد النهاية ويتضامن مع المواقف والرسالة التي وجهناها من خلال العمل المسرحي…

ملحق “أزتاك” العربي

Share This