مصر تواجه “الوالي العثماني”

انتهكت تركيا كل الخطوط الحمر والأعراف الدبلوماسية والسياسية والعلاقات بين الدول، عندما اتبعت سياسة التحريض اليومي على ثورة 30 يونيو التي أطاحت الرئيس المصري محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين.

عندما نقارن مواقف كل الدول الأخرى في العالم سواء كانت عربية أو غير عربية نجد مواقف مؤيدة للثورة وخلع مرسي أو معارضة، وهذا طبيعي. لكن أن يتحول ما يسميه حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته أحمد داود أوغلو “الانقلاب” على الشرعية في مصر، إلى ديدنهم اليومي، بل على مدار الساعة ويمعنوا اتهامات وتنديدات كلما هل هلال الغروب ويحوّلوا مواعيد الإفطار خلال شهر رمضان المبارك إلى مسرح للتحريض فهذا غير مقبول وغير منطقي.

لقد تصرف المسؤولون الأتراك تجاه إطاحة سلطة الإخوان المسلمين في مصر كما لو أنها أطاحت سلطة حزب العدالة والتنمية في تركيا  وأعتقد أنهم في ذلك على حق.

ذلك أن تركيا كانت تنظر إلى مصر في عهد الرئيس السابق حسني مبارك على أنها عقبة أمام تمدد الدور التركي في المنطقة، خصوصا أن مبارك كان ينظر بحساسية فائقة إلى موقف حركة حماس في غزة من العلاقة مع الإخوان المسلمين في مصر .

ولم يتردد أردوغان مع بداية ثورة 25 يناير في اغتنام فرصة الثورة لكي يتدخل في الشأن الداخلي المصري، ويدعو مبارك للتنحي ليس حباً بالديمقراطية، بل ليزيل عقبة مبارك أمام الدور التركي ولأن أردوغان كان يراهن على وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة كونهم الأكثر قوة وتنظيما وعراقة في العمل الحزبي بخلاف بقية القوى الموجودة على الساحة السياسية وبالفعل سارت الأمور كما يشتهي أردوغان.

والمفارقة غير المفاجئة أن الإخوان المسلمين في مصر اقتدوا بالنموذج التركي لجهة محاولة الاستئثار بالسلطة وإقصاء الشرائح الاجتماعية والسياسية الأخرى، كما لو أن الشعب المصري كله تحت إرادتهم، يملكون حق التصرف به رغم أن محمد مرسي نال نصف أصوات الناخبين فقط، كما أردوغان في تركيا، وقسم ممن أيدوه إنما ليس دعم له، بل لكي يمنعوا وصول أحمد شفيق إلى الرئاسة.

لم ير قادة تركيا تحوّل السلطة في مصر إلى تسلط لا سيما بعدما حصر مرسي كل الصلاحيات في يده وبالتالي لم ينتقدوه، لكنهم لم ينظروا إلى الملايين التي نزلت في 30 يونيو على أنها ثورة شعبية بل رأوا فيها انقلابا عسكريا.

ولو افترضنا أنها انقلاب عسكري فهل يجوز لأردوغان وداود أوغلو أن يقوما بهذا الكم من التحريض اليومي على النظام الجديد؟ أوليس هذا شأنا داخليا مصريا على المصريين أن يقرروا كيف يحلون مشكلاتهم ويقررون طبيعة نظامهم السياسي حتى لو كان وصولا للعسكر إلى السلطة علما أن الأمر في مصر ليس كذلك؟

لقد أخطأ أردوغان وداود أوغلو وقادة حزب العدالة والتنمية عندما تجاوزوا مجرد موقفهم المعارض للانقلابات العسكرية وانتقلوا إلى مرحلة التحريض والتدخل السافر في شئون مصر الداخلية، كما لو أن مصر لا تزال ولاية عثمانية أو أنها إحدى محافظات تركيا اليوم.

لقد أدت أحداث مصر الأخيرة إلى مزيد من انكشاف الدور التركي في المنطقة ونوايا قادة “العدالة والتنمية” الذي يريدون تأسيس هيمنة أيديولوجية ليست سوى التعبير السياسي للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين الذي لم يجد مكانا يجتمع فيه إلا في إسطنبول.

والأهم، برأيي، أن مصر باتت تقوم بدورها وتستعيد عزتها التي سخّرها محمد مرسي للأتراك. لقد عادت الروح إلى قلب مصر وكرامتها عندما قاطع السفير المصري في أنقرة حفل إفطار على شرف السفراء الأجانب دعا إليه أردوغان الذي لم يكن يتوقع أن تبادر مصر إلى هذه الخطوة الرائدة. ولم تقصّر مصر من خلال استدعائها سفير تركيا ومعه سفير تونس للاحتجاج على التدخل التركي في الشأن المصري. ولم يكن يتوقع الأتراك أن تبادر مؤسسات فنية في القاهرة إلى مقاطعة المسلسلات التركية التي تعتبر إحدى ركائز صورة تركيا في المنطقة.

لقد وقع أردوغان وداود أوغلو في فخ الغرائز الأيديولوجية والحسابات الخاطئة والرهانات الفاشلة. وخسارة حزب العدالة والتنمية لن تقتصر على فقدان النفوذ والصورة والدور في المنطقة بل إن آخر استطلاعات الرأي في تركيا تشير إلى تراجع أصوات الحزب من 50 إلى 44 في المئة. هي نسبة تكفيه للبقاء في السلطة ولاية جديدة لكنها إشارة قوية على أن العد العكسي لحكمه قد بدأ ولو طال السفر أو . . قصر.

محمد نور الدين نقلاً عن دار الخليج

Share This