هل تفعلها مصر وتعترف بالإبادة الأرمنية؟

د. نورا أريسيان

موضوع الأرمن متداول بين أفراد المجتمع المصري، وخاصة في إطار الجامعات والأكاديميين، حيث تجد العديد من الدراسات حول أرمينيا، ووجود الأرمن في مصر وثقافتهم، لا سيما وأن المجتمع المصري يدرك وجود الشخصيات الأرمنية التي تبوأت مناصب سياسية في مصر.

أما مسألة الإبادة الأرمنية وقضية الاعتراف بها وتداولها من الناحية القانونية تحديداً، بقيت محصورة بين دراسات ليس وفيرة، على رأسها الدراسات التي نشرها الأستاذ في قسم التاريخ بجامعة الاسكندرية د. محمد الامام رفعت والذي شغل منصب رئيس تحرير مجلة “أريف” الأرمنية التي تصدر باللغة العربية، (ومن مؤلفاته: (الأرمن في مصر في القرن التاسع عشر) و(القضية الأرمنية والامبراطورية العثمانية) و(الأرمن، الغرب والاسلام) و(إبادة الجنس البشري) (1946/1948)، و(نفي الآخر جريمة القرن العشرين))، حيث لا يمكن نكران دور مركز الدراسات الأرمنية التابع لجامعة القاهرة الذي ورغم حداثته أقام العديد من المؤتمرات الدولية والندوات برعاية سفارة جمهورية أرمينيا بمصر والتي تطرقت الى تاريخ أرمينيا والقضية الأرمنية بشكل عام.

إلا أن تغير الأوضاع في مصر، جعلت تركيا تتبع سياسة التحريض ضد ثورة 30 يونيو التي أطاحت الرئيس المصري محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين.

وبدا واضحاً موقف المسؤولين الأتراك تجاه إطاحة سلطة الإخوان المسلمين في مصر، حيث وكما يقول محمد نور الدين في مقالة له بعنوان “مصر تواجه الوالي العثماني”، بأن تركيا كانت تنظر إلى مصر في عهد الرئيس السابق حسني مبارك على أنها عقبة أمام تمدد الدور التركي في المنطقة، خصوصا أن مبارك كان ينظر بحساسية فائقة إلى موقف حركة حماس في غزة من العلاقة مع الإخوان المسلمين في مصر. ولم يتردد أردوغان مع بداية ثورة 25 يناير في اغتنام فرصة الثورة لكي يتدخل في الشأن الداخلي المصري، ويدعو مبارك للتنحي ليس حباً بالديمقراطية، بل ليزيل عقبة مبارك أمام الدور التركي ولأن أردوغان كان يراهن على وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة كونهم الأكثر قوة وتنظيما وعراقة في العمل الحزبي بخلاف بقية القوى الموجودة على الساحة السياسية وبالفعل سارت الأمور كما يشتهي أردوغان.

وكذلك بدا جلياً كيف أن الإخوان المسلمين في مصر اقتدوا بالنموذج التركي وحاولوا إقصاء الشرائح الاجتماعية والسياسية الأخرى، ليجعلوا الشعب المصري كله تحت إرادتهم. وبذلك سقط القناع وانكشفت نوايا قادة حزب “العدالة والتنمية” في تأسيس هيمنة الإخوان المسلمين في أماكن أخرى.

وبدأت الردود المصرية المفاجئة في الاحتجاج على التدخل التركي في الشأن المصري. بدءاً من مقاطعة المسلسلات التركية، والتصعيد في الاعلام. حيث بدأ أصحاب القلم ينشرون المقالات ذات المواضيع الشائكة بالنسبة لتركيا. ودخلت قضية الإبادة الأرمنية على الخط.

وكان الصحفي محمد مندور أول من كتب في “صدى البلد” من هذه الزاوية، حين دعى الى دعم القضية الأرمنية في مصر، فمن خلال مقالته بعنوان “تركيا ومذابح الأرمن” أوضح أنه “في عام 2015 المقبل سيكون مر قرن كامل على مذابح الأرمن التى ارتكبتها القوات التركية أثناء الحرب العالمية الأولى، ورغم تأكيدات المصادر التاريخية إلى القتل المتعمد والمنهجي للسكان الأرمن من قبل الامبراطورية العثمانية خلال وبعد الحرب العالمية الأولى من خلال المجازر وعمليات الترحيل، والترحيل القسري وهي عبارة عن مسيرات في ظل ظروف قاسية مصممة لتؤدي إلى وفاة المبعدين من قراهم ومساكنهم، إلا أن تركيا من جانبها ترفض الاعتراف بهذه الجريمة وتتهم آخرين من المشاركين فى تلك الحرب، بارتكاب المجزرة، التى يحييها الأرمن فى شهر إبريل من كل عام. في عام 1915 قام أجداد أردوغان في ظل تخاذل دولي بتنفيذ أكبر مذابح في التاريخ البشري للأرمن المعروفة باسم المذبحة الأرمنية أو الجريمة الكبرى. ويبدو أن مذابح الأرمن في تركيا علي يد أجداد رجب طيب اردوغان تلوح في الأفق مع تطلعات أردوغان في إعادة العهد الدموي للعثمانيين في بعض دول الجوار لتركيا ومحاولاته قيادة أو دعم مليشيات إرهابية في سوريا ومصر للقضاء علي كل ما هو مخالف أو مقاوم لأحلامهم أو سياساتهم”.

ورأى الكاتب أن الحديث عن مذبحة الأرمن الآن، في غاية الأهمية بالنسبة لمصر ولدولة أرمينيا، فطالما طالبت أرمينيا دول العالم بالاعتراف بمذبحة الأرمن على يد الأتراك حتى استطاعت الحصول على اعتراف نحو 20 دولة بالجريمة الكبرى للأتراك ضد الأرمن. كما تعد تلك القضية حال سعي الخارجية المصرية بتوسيع التحرك الدولي لصالح القضية الأرمينية أحد أهم ورقات الضغط الدولي على تركيا، لوقف تدخلها في الشأن الداخلي المصري.

فمن المعروف أن الأرمن لهم بمصر علاقات تاريخية، فبعد تهجير الأرمن من تركيا فضلوا المعيش بمصر وبلاد الشام إلى أن أعلنت أرمينيا في التسعينيات استقلالها وأصبح للأرمن دولة مستقلة، إلا أن أرمن مصر ظلوا يفضلون العيش في الوطن الذي احتضنهم، وبات مع السفالة السياسية التركية الأمر ضروري لمزيد من الدعم لصالح القضية الأرمينية.

وفي نهاية المقال أطلق نداءاً قال في: “النداء الآن لكافة القوى السياسية وأساتذة القانون الدولي والدبلوماسيين والجالية الأرمينية بمصر لضرورة السعي نحو تحرك سريع ضد تركيا والاستفادة من الموقف الراهن لدرء الخطر التركي ومساعيهم خاصة في دول الاتحاد الأوروبي لإثناء الدول الأعضاء عن دعم ثورة 30 يونيو التي قامت بإرادة شعب لا ولن يقبل بتدخل خارجي في شؤونه”.

ومن جهة أخرى، تحركت “الجبهة الشعبية لمناهضة أخونة مصر” وأعلنت عن عزمها التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية لرفع دعوة ضد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وفضح جميع الممارسات التى ارتكبتها الحكومة التركية بحق الأرمن.

وأشارت الجبهة، فى بيان لها، إلى لقاء طارق محمود المستشار القانونى للجبهة الشعبية لمناهضة أخونة مصر بوفد من الأرمن المصريين بخصوص دعوى قضائية ضد رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان بصفته ممثلا لحكومة تركيا للبدء فى اتخاذ الإجراءات القانونية الفورية بشأن المذابح التى ارتكبتها الدولة التركية فى حق ذويهم وتحريك هذه القضايا أمام المحكمة الجنائية الدولية.

ولفت البيان إلى أن موقف أردوغان المعادى للثورة يذكرنا بالمواقف التاريخية قديما لرجل أوروبا المريض “الدولة العثمانية” فيما كانت تنتهجه من سياسات مع جيرانها ويحتم علينا الموقف التركى ردا شعبيا يتمثل فى مقاطعة جميع البضائع التركية لأن مصر أحد أهم أربع أسواق للمنتجات التركية ليتكبد الجانب التركى خسائر اقتصادية باهظة ليكون بمثابة الرد على محاولات التضييق الدولى على مصر وسعيهم الى تأليب الاتحاد الأوروبي. فيما أكد أن الجبهة “سترد من جانبها بتبني إعادة فتح ملفات الأرمن ليعلم الجميع الوجه الديمقراطي الزائف الذي سنسقطه قريباً من على وجه رجب طيب أردوغان”.

ومن جانبه قال محمد سعد خير الله مؤسس الجبهه الشعبيه لمناهضه اخونه مصر ان الجبهه قررت تبني الموضوع بالتفاصيل مع الارمن بعد عده اجتماعات عقدت معهم لاقامه دعوى قضائية مستعجلة بمجلس الدولة باسم الجبهه ان تكون مدعومة بكل مشاهد الاهوال والمذابح التي تعرض لها الارمن علي يد الاتراك لاعتراف الحكومة المصرية بتلك المجازر والتي تكون خطوه اوليه قبل التصعيد الدولي، مشيراً الى ان اعتراف مصر بهذه المجازر يعد اضافه هائله للدول لما تمثله مصر من ثقل في العالم العربي والاسلامي والافريقي كما انها من اكبر الدول السنه في الشرق الاوسط.

وأكد خير الله علي ان الجبهة سوف تتحرك في هذا الموضوع لتترجم حجم الغضب الشعبي الهائل علي الفاشي أردوغان واوهامه الخاصه باستعادة ريادة الدولة العثمانية الزائلة مؤكدا ان تصدير مشكلة داخلية لاردوغان حالياً في ظل مواجهته للكم الرهيب من الاحتجاجات والتظاهرات في تركيا له قيمته بعد ما كشف عن وجهه القبيح في السيطره والهيمنه علي ميدان تقسيم.

وتتقاطع تلك الرؤى مع ما كتبه الباحث المصري محمود عرفات في دراسته عن “أردوغان .. سراب صنعته الميديا العربية” تحت عنوان “السراب الأردوغاني أكذوبة النموذج التركي”، “ذلك النموذج الذي تم التسويق له في الإعلام وبطريقة مدروسة ومكثفة، وعلى شكل كليشيهات وأرقام محفوظة يتم تداولها بشكل دعائي. فهل تم التسويق لذلك النموذج لتبرير اختراق “أطلسي” للمنطقة تحت راية إسلامية، الإسلام منها براء؟”.

أما على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، وعلى الأخص (التويتر) فقد جاءت تغريدة في 30 تموز من رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان حافظ أبو سعادة كما يلي: “نطالب تركيه بالاعتذار عن المجازر التى ارتكبوها ضد الارمن وان يدفعوا تعويضات للارمن وكذلك الاعتذار عن نهب مصر اثناء الاستعمار”. وكذك غرد عضو المكتب السياسى لحزب المصريين الأحرار أحمد خيري قائلاً: “لو انا من الحكومه المصريه اعمل على إصدار قانون يدين إنكار مجازر الدوله العثمانيه ضد الأرمن، وجرائم نظام اردوغان ضد الأكراد”.

ونعتقد بأن الأمور آيلة الى تصعيد أكبر، من خلال تكشف حقائق ورؤية أوضح لأمور، وسيكون لذلك إسقاطات واسعة في الإعلام المصري ومواقع التواصل الاجتماعي، فهل تتطور حملات دعم القضية الأرمنية في مصر لتصل الى القاعات رسمية؟، وهل تفعلها مصر وتعترف بالإبادة الأرمنية وتدينها عشية الذكرى المئوية للإبادة الأرمنية؟

Share This