المؤرخ في مواجهة كتابة الإبادة الجماعية ونبذة عن جينوسايد الأرمن للباحث العراقي حميد ياسين ناصر

نص المحاضرة التي ألقاها الباحث العراقي حميد ياسين ناصربعنوان “المؤرخ في مواجهة كتابة الابادة الجماعية”، خلال الندوة العلمية “الإبادة الجماعية في العراق”، بتاريخ 20/10/2014، وذلك في جامعة بغداد / كلية الآداب.

هناك عدة منعطفات تأريخية ادخلت ثقافة العنف وبالتالي الإبادة الجماعية الى السياسة باعتبار التصفية الجسدية لمجتمع بأكمله هو حل جذري للمشاكل. المرحلة الكولونيالية والمجازر المرتكبة خلال الاحتلالات من الاسس الممهدة للمجازر في التاريخ الحديث. نية الابادة و التحضير لنفي المجزرة قضائيا و بناء خطاب ايدلوجي للاشارة على انهم اي الضحايا يشكلون تهديدا على الامة او باعتبارهم عنصر بشري سفلي لايستطيع السمو الى العنصر الوطني او بالاحرى يعتبر عنصر كسول و عائق لاي تطور.

المنعطف الاخر، اشاعة فكرة الداروينية الاجتماعية وخاصة من قبل الطبيب و البايلوجي ارنست هيكل وهو اول شخص اشار الى مسألة التصنيف العرقي بالرجوع الى الداروينية الاجتماعية. أرنست هيكل اعطى ذريعة مناسبة للاحزاب لبعض الاحزاب السياسية في نهاية القرن التاسع عشر لتطبيق ايدلوجية انثروبولوجية سوسيولوجية مستمدة من عالم بايلوجيا معروف خصوصا و ان اعطاء الايدلوجيا بعدا علميا يرسخ اقدامها بين الجماهير. تغلغل الفكر العنصري البايلوجي في السوسيولوجيا و الانثروبولوجيا الحديثة الولادة. و بذا, ظهرت بقوة فكرة العنصر الاقوى الذي يمكن له ابادة الاضعف كما اتاح ذلك للدولة انتاج فكرة العنصر البشري النبيل و العنصر الخامل. كل هذه العوامل سهلت ولادة النازية.

تعد الحرب العالمية الاولى من المنعطفات المهمة لثقافة العنف والابادة الجماعية حيث ظهر مفهوم الحرب الشاملة والتي تعني التدمير المطلق للعدو كما اشيع مفهوم القتل يبعث السرور للنفس لذلك اعتبر المدني (هدف موضوعي). نجحت الحرب في خلق مناخ دموي خوصا بعد دخول العنف الى السياسة عن طريق البلاشفة.

الإبادة الجماعية للأرمن هي الاولى في التاريخ الحديث 1915. المجازر التي مهدت للمجزرة الأرمينية هي تلك التي ارتكبت في عهد السلطان عبد الحميد الثاني. الحجة التي بررت هذه المجازر هي ان نظام الدولة العثمانية كان اسلاميا وان العنصر المسلم يسمو فوق غيره من غير المسلمين (تشويه الدين الاسلامي) وازكاء العداء للمسيحين فاتاحت له هذه الذريعة الخاوية من ارتكاب مجزرة راح ضحيتها من 200000 الى 250000 ضحية من الأرمن والبعض من المسيح السريان في ديار بكر. وبذا يعد السلطان عبد الحميد الثاني احد رواد العنف السياسي.

مقاييس القومية في خلق العنصر السامي ونفي الاخر: نموذج القومية التركية والعراقية.

طرح سؤال على المؤرخ الفرنسي بيير نورا : لماذا نصنع او نكتب التأريخ؟ أجاب، لحمايته من دكتاتورية المجموعة) المجموعة المتسلطة السياسية و الاجتماعية على حدا سواء. ينطبق هذا الكلام على كيفة كتابة الجينوسايد فربما ينخدع المؤرخ بأدبيات الطبقة او المجموعة المسيطرة. سوف نجد من خلال البحث تيار (النافين او الناكرين) negocianism الذي احتضنتهم السلطة لنفي الجينوسايد و رميها في غياهب النسيان.

ان مسألة تاريخ الجينوسايد الأرمنية مهم لانه وقع قبل صياغة مفهوم الجينوسايد بأكثر من 30 سنة. كان المصطلح الشائع هو المجزرة الأرمينية Massacres هذ المصطلح كان يصب في صالح تيار النافين لان المجزرة لا تعني بالضرورة جينوسايد وان معناها هو (ارتكاب قتل بين طرفين شعبين او اثنيتين دون الاشارة الى الغالب والمغلوب او المنتصر والخاسر في المجزرة.) اصر تيار النافين على استخدام كلمة مجزرة لرفع صفة الابادة الجماعية ومن ابرز النافين لجينوسايد الارمن هو المنظر المعروف ادوارد سعيد. تيار النافين هذا غالبا ما يكون مسنود من قبل السلطة لذا نجده في جميع الابادات التي شهدها التاريخ فأبادة الاكراد في حلبجة و ابادة الانتفاضة الشعبانية كان هناك من ينفيها لحد الان لذلك عمد عدد من الاساتذة و المثقفين في فرنسا و تركيا الى تأسيس جمعية (الحرية للتاريخ) لانقاذ التاريخ و سائر العلوم الاجتماعية من دكتاتورية المجموعة و المنتفعين و المتملقين.

نبذة عن جينوسايد الأرمن:

ارتكبت الجينوسايد الأرمنية عام 1915 امام انظار القوى المحلية التي تمثل الدولة العثمانية وادلت بشهاداتها فيما بعد. اختص المؤرخ الفرنسي Bernard Bruneteau بالجينوسايد الأرمينية ليعطينا صورة تحليلية عنها. في بداية الامر تم تصفية الكوادر النخبوية الارمينية في نيسان 1915 ثم قام العثمانيون بنزع اسلحة الجنود الأرمن في الجيش العثماني وبهدف شرعنة التخلص منهم اقر قانون الابعاد في ايار 1915 و قتل من تبقى من الأرمن.

السبب في هذه الجينوسايد حال اغلب القتل الجماعي هو سوسيولوجي. اقر المسئولون المحليون بأن الايدلوجيا الذي جاءت بها تركيا الفتاة بأنها تقوم على الاساس القومي البحت، قومية قائمة على الاسس المتناغمة للامة التركية اي اللغة، التربية، التقاليد الديينية والتاريخ المشترك و ان كل هذه الاسس لا يشترك فيه لا الأرمن ولا اليونانيون لذا رأوا ان ابادة جماعية يمكن لها ان تحولهم الى الامة التركية و اي ثقافة اخرى غير مسموح لها ان تكون منافسة للنموذج التركي. تساءل الكثير عن حل لوضع حد للقتل الجماعي. الحل بسيط يكمن في قبول الاخر و التعددية الثقافية و التثقيف على ابادة العنصرية ورفض الاخر بدلا من إبادة الاقليات. لكن كيف يتحقق هذا؟ يتحقق من خلال الخطاب السياسي والبناء المؤسساتي والقضائي كما لا ننسى الدور الريادي للمجتمع المدني في حماية التعددية الثقافية. الكثير من ممثلي المجتمع المدني من الاتراك كانوا قد زجوا في السجون او حتى قتلوا بسب دفاعهم عن الابادة الارمنية. قامت السلطات التركية بأعتقال رجب زوركلو بتهمة الارهاب لنشره كتاب المؤرخ الفرنسي Vincent Duclert و الذي يتكلم فيه عن مثقفي تركيا والجينوسايد الأرمنية.

كان لدور الناكرين للإبادة الأرمنية اهمية كبيرة في تأسيس تركيا الحديثة و يرى اصحاب القرار في تركيا ضرورة اسنادهم لانهم اسهموا في بناء الهوية التركية الاحادية الثقافة. رغم ضغوطات الاتحاد الاوربي على تركيا واعتبار الاعتراف بالأبادة الإرمنية كشرط لدخول تركيا في الاتحاد الا ان الاتراك لم يعترفوا الى اليوم بهذه الابادة لان الاعتراف بالإبادة من شأنه تهديد الهوية التركية. الاعتراف بالجينوسايد يعني وضع الموديل التركي للهوية وبناء الامة في دائرة التساؤل وبالتالي سيثير قضايا كثير من الاقليات لا سيما الكردية كما سيثير الكيفية التي بنيت بها الهوية على حساب دماء الأرمن. لا يزال هذا الخطر يلاحق الدولة التركية ما زال هناك وجود لدراسات وابحاث تأريخية وجنائية ومجتمع مدني ونخية مثقفة تسعى الى اعادة الإبادة الأرمنية على طاولة المجتمع المحلي والدولي.

Share This