لمحة عن حركة الترجمة بين اللغتين الأرمنية والعربية (1) د. نورا أريسيان

13227134_1547828948858279_6430221020059676003_n 

ظهر الاهتمام بالترجمة من اللغة العربية الى الأرمنية وبالعكس منذ القرون الوسطى لدى الأرمن والعرب على حد سواء. فقد لعبت الروابط الأرمنية العربية دوراً مهماً في تفاعل اللغتين الأرمنية والعربية والتي أدت الى نشوء حركة الترجمة.

وبدأ ذلك التفاعل بين اللغتين حين أصبحت بعض المجالات نقطة اهتمام مشتركة لدى الشعبين مثل التاريخ والقضايا العسكرية والدين والتجارة والزراعة والمجال الطبي وغيرها.

وهكذا تبلورت ظاهرة التداخل بين اللغتين، حيث شكلت أسماء النباتات الجزء الأكبر من الاستعارة من اللغة العربية في ترجمة الكتب إلى الأرمنية، وكذلك علم الفلك والكيمياء والمصطلحات الطبية لاسيما الخاصة بالأمراض والتشريح والعلاج، بالإضافة الى أسماء الحيوانات خاصة الخيول.

وإلا أن المؤرخين الأرمن يشددون على أن تأثر الأرمن بالأدب العربي قد ظهر بشكل خاص في شعرهم من خلال اقتباسهم الوزن والقافية عن الشعر العربي.

ومن جهة أخرى، تجدر الاشارة الى أنه مع الفتح الإسلامي لأرمينيا بين أعوام 640-650 م. شهدت تلك القرون حركة ترجمة متبادلة جراء التبادل الثقافي بين الشعبين الأرمني والعربي. فقد ترجم كتاب (تاريخ الأرمن) للمؤرخ أكاتانكيغوس و(كتاب الثعلب) لوارطان أيكيكتسي الى العربية؛ وهو كتاب يشبه (كليلة ودمنة) حوار على لسان الحيوانات.

وكذلك نقل كتاب عن (علم طب الخيل) لأقرابازين الى الأرمنية. ونقل من العربية الى الأرمنية كتاب عن (تفسير الأحلام) و(تبر الملوك) ومقاطع من (ألف ليلة وليلة) على يد أراكيل أنيتسي ومخيتار كليكانيتسي. وترجمت رسائل (إخوان الصفا وخلان الوفا) على يد يرزنكاتسي، وصدرت بعنوان (كتابات الفلاسفة المسلمين). وتم نقل كتب لأطباء عرب الى اللغة الأرمنية، مثل كتب الرازي وابن سينا وغيرهم. وتجدر الإشارة الى أنه هناك 40 ترجمة باللغة الأرمنية لكتاب (تشريح الانسان) للطبيب العربي أبي سعيد.

ومما يدل على وجود تبادل ثقافي وترجمة للأعمال الطبية في القرون الوسطى، إحراز أطباء عرب عاشوا في أرمينيا شهرة واسعة، ويذكر عن أطباء أرمن عاشوا في البلدان العربية مثل مخيتار هيراتسي، ترجموا كتب طبية مشهورة الى اللغة الأرمنية.

كان الوضع مشابهاً على الصعيد الفكري والفلسفي، حيث اهتم المفكرون والفلاسفة الأرمن والعرب على حد سواء بالثقافة والعلوم، واتسمت الفلسفتان الأرمنية والعربية بسمات كثيرة مشتركة، وكان المفكرون الأرمن على معرفة وثيقة بالفلاسفة والشعراء العرب من أمثال الكندي، المعري، ابن رشد والمتنبي وغيرهم وقاموا بترجمة مقتطفات من أعمالهم إلى اللغة الأرمنية، ومن ناحية أخرى ظهر اهتمام كبير من قبل العرب تجاه أعمال المفكرين الأرمن، وتعدّ الترجمة العربية للمؤلف الأرمني “أكاتانكيغوس” القرن الخامس الميلادي “تاريخ أرمينيا” نتاج هذه المرحلة.

للحديث عن حركة الترجمة والتفاعل الحضاري واللغوي ينبغي التنويه الى أنه بعد اختراع الأبجدية الأرمنية أصبح الموضوع العربي أحد الموضوعات الرئيسية في الكتابات التاريخية الأرمني، حيث كتب المؤرخون الأرمن في العصور الوسطى مثل غيفوند وسيبيوس وكريكور تاتيفاتسي وغيرهم عن موضوعات هامة مثل الأحداث التاريخية والسياسية في العالم العربي وعن نشأة الإسلام والمسائل الدينية، وبشكل طبيعي أيضاً عن العلاقات الأرمنية-العربية في مختلف المجالات. لقد ترك لنا المؤرخون القدامى معلومات قيّمة حوتها كتب التاريخ الأرمنية عن العرب كعرق وعن بلادهم وجغرافيتها وتاريخها وطريقة معيشتهم وقبائلهم الخ. ولقد كان ذلك أحد الركائز التي استندت إليها الدراسة عن العلاقات التاريخية الأرمنية-العربية. وبالمناسبة كان المؤرخ الأرمني سيبيوس الذي عاش في القرن السابع الميلادي أول مؤلف غير عربي تحدث في كتاباته عن النبي محمد وكانت تعليقاته الأصلية تدور حول ديانة عالمية جديدة – الإسلام.

وكذلك ترك لنا المؤرخون والجغرافيون العرب معلومات قيّمة عن العلاقات الأرمنية-العربية، وعن أرمينيا كبلد وعن كيانها السياسي وعن اقتصادها وثقافتها.. الخ. وهنا نعني بذلك مؤرخين عرب أمثال البلاذري والطبري والمسعودي، وابن العسير، والمقريزي، وأبو الفداء، وغيرهم والجغرافيين العرب من أمثال الاصطخري وابن بطوطة وابن الفقيه وابن حوقل وياقوت الحموي… الخ.

وفي أواخر العصور الوسطى أي بين القرنين السابع عشر وأواسط القرن الثامن عشر شهد ميدان الترجمة نشاطاً كبيراً، ويذكر أن فعل “ترجم” يعني بالأرمنية “تاركمانيل” وهو مطابق للفظ العربي.

في هذه الفترة أتقن الأرمن لغات المواطن الجديدة لهم، فشرعوا في ترجمة مؤلفات هامة. واللافت وجود عدد من المخطوطات العربية مكتوبة بالحرف الأرمني، لكن يندر العثور على مخطوط باللغة الأرمنية مكتوب بالحرف العربي.

ومن المترجمات العربية الى الأرمنية ما نشره أوهانيس يرزنكاتسي بعنوان “مقتطفات من كتابات الفلاسفة المسلمين”، وكشف الباحثون فيما بعد أن مصدر الكتاب هو رسائل (إخوان الصفا) بمضمونها الفلسفي، وحرص يرزنكاتسي على إبقاء المصطلحات العربية الفلسفية ونقلها بالحروف الأرمنية من دون ترجمتها مثل النفس والتدبير والجوهر وغيرها.

كما ألف أويديك ديكراناكيردتسي عدداً من الكتب من بينها (كتاب الدفتر) عام 1709 وهو مجموعة مقالات تضم معلومات عن الكواكب والنجوم حيث استخدم فيها كلمات وأسماء عربية، مما يؤكد التأثر والتأثير المتبادل بين اللغة العربية والأرمنية في تلك الحقبة الزمنية.

وهناك مخطوطات تشير الى أن ملك كيليكيا هيتوم الأول أمر بترجمة مؤلفات عن صهر الفولاذ وصناعة السيوف والتنجيم وتربية الخيل الى الأرمنية.

*(الأداب العالمية، العدد 165، شتاء 2016)

Share This