شهداء أيار، إرث جمال باشا السفاح

في السادس من أيار من عام 1916 تم تعليق العديد من المفكرين والكتاب والصحفيين العرب على المشانق في ساحتي البرج في بيروت والمرجة بدمشق بأمر من والي الشام العثماني جمال باشا بجريمة الخيانة العظمى أي خيانة الدولة.

كان هؤلاء الشهداء الأبرار يريدون الحرية لبلادهم من الوالي العثماني الطاغي الذي كان يحكمها ..

لقد شهد العامان 1915 و 1916 سلسلة من عمليات الاغتيال والاعدام لكوكبة من الشخصيات الفكرية أمثال الخوري يوسف الحايك الذي اعدم في 22 آذار عام 1912، ونخلة مطران الذي اغتيل في نيسان من العام ذاته، والشهيدان الشقيقان فيليب وفريد الخازن اللذان اعدما بعد أن أعلن السفاح انتهاء اعمال الاعدام في 6 ايار، فتم اعدامهما في حزيران 1916.

وكانت هذه الشخصيات قد ساهمت بطريقة او باخرى من خلال العمل السياسي والمجتمعي والفكري، في تشكيل الرؤية لما بعد الدولة العثمانية باتجاه الاستقلال وتشكيل دولة عربية مستقلة.

ووفق العديد من الدراست فقد كانت الحرب العالمية الاولى والمجاعة من الاسباب التي قضت على حياة مئات الالاف من سكان المنطقة، إضافة الى حكم طاغية مستبد هو جمال باشا الشهير بالسفاح قائد الجيش العثماني الرابع، وواحد من الشخصيات الثلاث التي حكمت فعلياً في عهد حزب الاتحاد والترقي الى جانب أنور وطلعت.

جمال باشا السفاح كان وراء إعدام العشرات من خيرة شباب العرب، الذين يمكن اعتبارهم بحق رمزا لآلام المخاض لولادة البلاد العربية الحرة.

أما تفاصيل عملية الاعدام في 6 أيار فيمكن روايتها كالتالي: غادر قطار خاص “عاليه” في ولاية “بيروت” المنطقة التي اقيمت فيها المحاكم الميدانية الصورية للشهداء، في الخامس من شهر أيار سنة 1916 وكان يقل كل من شفيق المؤيد العظم، عبد الحميد الزهراوي، الأمير عمر الجزائري، شكري العسلي، عبد الوهاب الانكليزي، رفيق رزق سلوم ورشدي الشمعة.

حيث حمل القطار أولئك الشهداء الأبطال تحت حراسة شديدة من الجند ولما وصلوا إلى منطقة (رياق) التقوا بالقطار الذي ينقل عائلاتهم إلى المنافي في الأناضول وكما جاء في كثير من كتب التاريخ والسير الذاتية والمذكرات وصف لهذا المشهد المؤثر عندما خاطبت عائلات الشهداء ذويهم و”الدموع تنهمر من العيون وحسرات القلب تتأجج وتختلج في الصدور وكان مشهد اللقاء و الوداع مؤلما مريرا يفتت الأكباد..” ، افترق القطاران، بحسب الرواية، من “رياق” إلى حلب و دمشق.

وبحسب كتاب “شهداء الحرب العالمية الكبرى” لأدهم الجندي فقد كان جمال باشا يشاهد في شرفة بناية احمد عزة العابد التي صادرتها السلطات العسكرية التركية تنفيذ أحكام الإعدام و”حشرجة أرواح فريق من رجالات العرب الذين قضوا مضاجع الاتحاديين في البرلمان التركي بمواقفهم المشهورة”.

وفي الوقت الذي لبست به دمشق والبلاد العربية أثواب الحداد أسى ولوعة على أبنائها انطلق “السفاح جمال في ذلك اليوم المشؤوم الى قرية (لخيارة) في غوطة دمشق فنقلت ثلاث عربات بعض النساء إلى هذه القرية حيث قضين النهار في نشوة خمر وغناء ورقص .. ثم عاد الجميع في المساء يجولون في الأسواق حاملين باقات من الزهر رمزا لذلك الانتصار المشين بإعدام أحرار العرب”.

ولم يكتف السفاح بأعمال الاغتيال والاعدام التي بدأها منذ العام 1915، وإنما تم ايضا تنفيذ أحكام النفي بزهاء ثلاثمائة أسرة من خيرة الأسر العربية في سورية ولبنان وقد بدأ ترحيل المنفيين في شهر نيسان سنة 1916 إلى الأناضول حيث وزعوا في مدنه وقراه بين قونيه وانقره وديار بكر وبروسه واضنه وسيواس.

كما ذكرنا بان هذه الاعدامات لم تكن سوى جزء من السوء الذي عاشه اهلنا في تلك الحقبة السوداء من الزمن.

لم يأتي تعبير “سفر برلك” إلا لوصف ما كان يجري في تلك الأيام من مجاعة قضت على مئات الآلاف، وقصص مروعة عن أطفال ماتت في الشوارع ونهشتها الكلاب، ومصادرات جمال باشا لكل المواد الغذائية وسحب الرجال الى الخدمة العسكرية، إضافة الى الكوليرا والأمراض التي ذهبت بحياة الآلاف.

واليوم في الذكرى الـ96 لعيد الشهداء، نتذكر هؤلاء الشهداء برؤوس مرفوعة ونحيي ذكراهم، لكننا نتذكر أيضاً أن ذكرى شهداء 6 أيار يبقى إرث جمال باشا السفاح.

ملحق “أزتاك” العربي

Share This