روز اليوسف المصرية: المذابح الأرمنية.. وصمة عار في تاريخ تركيا

أزتاك العربي- نشر علاء الدين ظاهر تقريراً بعنوان (المذابح الأرمنية.. وصمة عار في تاريخ تركيا) في مجلة روز اليوسف المصرية، حيث قال: “تمر الأيام وتعبر السنين لكنها لا تمحى أبدا من ذاكرة الإنسانية أحداثا فاصلة، لم تكن مجرد تاريخ وأرقام بقدر ما كانت مرايا كاشفة لزيف ادعاءات البطولة التى يطلقها البعض، وتعد الإبادة والمجازر الأرمنيّة الرهيبة التى ارتكبتها الدولة العثمانيّة ضد الشعب الأرمنيّ على أرضِ وطنه الأُمّ وأودت بحياة مليون ونصف مليون أرمنيّ شهيد، من أكثر الأحداث التاريخية مأساوية وجرما لا يغتفر فى حق أجداد اللا طيب أردوغان، والتى تعد أول إبادة شهدتها البشريّة فى مطلع القرن العشرين، ويظل تاريخ 24 أبريل من العام 1915يوما أليما وأسود فى تاريخ الإنسانيّة.

الكثيرون لديهم شهادات موثوق فيها عما اصطلح على تسميته»القضيّة الأرمنية»، ونتناول شهادات مهمة نبدأها بالمطران كريكور أوغسطينوس كوسا، أسقف الاسكندرية وأورشليم والأردن للأرمن الكاثوليك مصر، والذى قال: بقيت الإبادة الجماعيّة العنصريّة التى اقترفها الأتراك منذ مائة وثلاث سنوات ضد الشعب الأرمنيّ دون عقاب، ولم تسترد الأمّة الأرمنيّة حقوقها الكاملة والمطلقة على أراضيها المتوارثة أبّاً عن جدّ، والقانون الدولى وميثاق الأُمَم المتحدة وإعلان حقوق الإنسان والوثيقة الصادرة عن الجمعيّة العموميّة للأمم المتحدة والمتعلقة بالإبادة الجماعيّة، تُعتبر كُلِّها أُسساً كافية للتنديد بالإبادة والتعويض عنها.

وقال: لقد مرّ على المجازر الأرمنية 103 سنوات فهى بالنسبة لنا نحن الشعب الأرمنيّ كأنها اليوم، فمرور السنين لا يعنى أبداً طَيّ هذه الصفحة الأليمة فى حياة شعبٍ تعرّض للتنكيل والقتل والذبح، إنها القضيّة العادلة الحيّة فى ضمير كلّ أرمنيّ، وفِى ضمير كلِّ إنسان أينما وجدَ فى هذا العالم. وكما فى الأمس القريب، هى اليوم تُطرح فى كل مناسبة، ومن على كلِّ منبرٍ دولى للكشف عن أسبابها ومسببيها، وبالتالى معاقبة مرتكبيها والمطالبة بالتعويض على الشعب الأرمنيّ عبر إعادة أرضه إليه.

والأرمن اليوم، كما بالأمس، ما زالوا ينتظرون وبكُلُّ إيمان عدالة قضّيتهم، إنّهم بتصميم حازم لا يتزعزع واثقون بأن حقوقهم لن تموت بمرور الزمن، ويتوجب على دول الاتحاد السوفيتيّ السابق وروسيا بالأخص، وعلى حلفاء أرمينيا القدماء، وعلى الدول الموقعة على معاهدة «سيفر»، وكذلك على جميع أعضاء هيئة الأُمَم المتحدة الذين صوّتوا على وثيقة حقوق الإنسان والميثاق الخاص بالإبادة، يتوجب عليهم جَميعاً أن يقوموا بالتزاماتهم كاملةً، والتعويض عن الإبادة العنصريّة التى ذهب الشعب الأرمنيّ ضحيتها، وبإيجاد حلّ عادل للقضيّة الأرمنيّة، عن طريق تمكين الأمة الأرمنية من استرجاع حقوقها المطلقة على أراضيها القوميّة.

وأشار إلى أن إبادة الأرمن جريمة سياسيّة كبرى، ارتُكبت من قبل تركيا ضد المواطنين الأرمن القاطنين فى وطنهم، بهدف إزالتهم من الوجود لتحقيق وحدة الشعوب ذات الأصل الطورانيّ، والطورانيّة هى حركة قومية تهدف إلى تتريك الدولة العثمانيّة بما فى ذلك العناصر غير التركيّة، والحل المنطقيّ والمناسب للقضيّة الأرمنيّة هو اعتراف الدولة التركيّة بالمجازر التى ارتكبها أسلافها بالشعب الأرمنيّ فى العام 1915، والتعويض عن الخسائر المادية والمعنوية التى ألحقتها بالأرمن والتى كانت سبباً فى تهجيرهم من أراضيهم وتشريدهم منها.
وأَضاف: كذلك لا بد من إعادة أراضي أرمينيا الغربية «المعروفة بالولايات الست» بموجب معاهدة سيفر عام 1920، علماً بأن تركيا كانت إحدى الدول الموقعة على المعاهدة، وعلى دول العالم والأمم المتحدة أن تعترف بحقوق الشعب الارمنيّ وأن تضغط بالفعل لا بالكلام على تركيا لحملها على الانسحاب من الأراضى الأرمنيّة المحتلة والاعتراف بحقوق الشعب الأرمنيّ، والذى هو مستمر فى نضاله من أجل حقوقه ومن أجل السلام فى المنطقة.

التنصل التركى

يعد الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانونى الدولى العام من الخبراء الذين يتحدثون عن الإبادة الأرمنية بشكل قانونى دامغ لا يقبل الشك، وكشف فى شهادته كيف أن التنصل التركى من ابادة الأرمن رهان خاسر، حيث يعاند الرئيس التركى رجب طيب أردوغان إرادة المجتمع الدولى ويمتهن القيم الإنسانية برفضه المريب للإقرار بمسئولية تركيا الدولة الخلف للسلطنة العثمانية التى دوما ما يتشدق بتاريخها وماضيها الأسودين، وهذا رغم إقرار الدولتين الحليفتين للإمبراطورية العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى 1914م -1918م، وهما ألمانيا والنمسا منذ ثلاث سنوات، أن ما ارتكبته السلطات العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى وتحديدا عام 1915م، هو جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان وفقا للتعريف والتفصيل الواردين فى اتفاقية الجمعية العامة للأمم المتحدة لمنع والعقاب على ارتكاب هذه الجريمة الشنيعة التى توصم بكونها جريمة من الجرائم الدولية، والجريمة النموذج للجرائم ضد الإنسانية.
وكشف عن الشهادات والتقارير الموثقة للسفراء والمبعوثين الرسميين لدول أجنبية عديدة للخروقات الجسيمة لحقوق الانسان التى ارتكبتها السلطات العثمانية بحق الأرمن أثناء الأحداث الإبادية، ومن بين هذه الشهادات تدليلا وليس حصرا، المخاطبات والاتصالات والمذكرات الرسمية للممثلين والقناصل لدول أجنبية فى أسطنبول، وهناك عشرات الاقرارات الرسمية العديدة التى صدرت عن حكومات وبرلمانات لعديد من الدول، وتقر أن ما وقع للأرمن على يد العثمانيين فى عام 1915 جريمة ابادة جماعية بالقانون الدولى، ويعد الإقرار الأخير للبرلمان الهولندى فى فبراير الماضي، دليلا دامغا على ارتكاب العثمانيين هذه الجريمة الفظيعة بحق الأرمن الأبرياء العزل.
وعلى الرغم من ذلك تنكر الحكومات التركية المتعاقبة حقيقة ما جرى للأرمن على يد السلطات العثمانية فى عام 1915، ويعد ذلك الانكار الذى يتنافى مع القيم الأخلاقية والإنسانية والقانونية العقبة الأكبر فى تطبيع العلاقات الرسمية وغير الرسمية بين الدولتيين التركية والأرمينية، والحكومة التركية الحالية، تزعم أن القتلى من الأرمن فى عام 1915 لا يتجاوز 300 ألف قتيل، وقضوا نحبهم أثناء ترحيلهم الى صحراء الشام في العراق وسوريا، ونتيجة الجوع والعطش والظروف الجوية السيئة، ولم تطلق عليهم رصاصة واحدة من القوات التركية التى كانت ترافقهم وتؤمنهم، والرئيس التركى أردوغان أشار إلى هذه الانتهاكات الجسيمة بحق الأرمن فى مناسبات عديدة، لكنه فى ذات الوقت رفض الإقرار بارتكاب جريمة الابادة الجماعية ضد الأرمن.
يشار فى ذلك الصدد الى أن اتفاقية الابادة الجماعية التى تحظر أفعال الابادة الجماعية، لم تتحدث فقط عن قتل أعضاء الجماعة باعتبار القتل هو النمط الوحيد المستخدم لإبادة جزء أو كل الجماعة المستهدفة، لكن الاتفاقية- كما سبق أن وضحنا- تحدثت أيضا عن إلحاق أذى جسدى أو روحى خطير بأعضاء من الجماعة، واخضاع الجماعة لظروف معيشية يراد بها تدميرها كليا أو جزئيا.

إن المحاكمات الدولية التى دشنتها محكمة نورمبرج عامى 1945م -1946م لمقاضاة كبار مجرمى الحرب النازيين، فضلا عن الإقرار الألمانى بجرائم الإبادة الجماعية التى ارتكبها الرايخ الألمانى أثناء الحرب العالمية الثانية، فضلا عن التعويضات المالية التى تقوم الحكومة الألمانية بدفعها لأحفاد الأحفاد من الضحايا اليهود، تثبت أيضا أن جرائم الإبادة الجماعية لا تسقط بالتقادم، ولا يجوز فيها العفو، ولا يجوز أيضا لمرتكبيها الدفع بصفتهم الرسمية وان علت مراتبهم .

واختتم قائلا: إن القضية الارمينية وعدالتها، تمثل لمصر تاريخا وحاضرا بارزين، فالقاصى والدانى يعلم أن مصر كانت من أوائل الدول فى العالم التى احتضنت اللاجئين الأبرياء العزل الأرمن الذين هربوا من بطش الجيش العثمانى إلى مصر، وساهم هؤلاء فيما بعد فى النهضة المصرية الكبرى فى بدايات القرن العشرين، وحاضرا فالعلاقات الرسمية والشعبية الأرمنية – المصرية تشهدان طفرة نوعية كبيرة، فى الأعوام الاخيرة.

متحف الإبادة

الدكتور أرمن مظلوميان رئيس الهيئة الوطنية للأرمن بالقاهرة قرر أن يبدأ شهادته من هناك فى ياريفان العاصمة، لكنه قبلها وجه الشكر لمصر، والتى قال: إنها احتضنت بشعبها الكريم النبيل آلاف الأرمن الفارين من المذابح على يد العثمانيين عام 1915، والأرمن فى مصر وأنحاء العالم لا ينسون هذا الموقف الإنسانى المتحضر الذى يعكس وبحق حضارة هذا الشعب وعراقة هذه الدولة الكبيرة التى نشرف بالانتماء إليها.

وتابع: بقدر ما كان هذا الجرم بقدر ما جاء متحف الإبادة فى ياريفان، والذى يحتوى على مقتنيات عديدة ومتنوعة وصور وأفلام وثائقية، تجسد وتكشف حجم المجازر الأرمنية التى وقعت عام 1915، ومذكرات لبعض الناجين بخط اليد، والتدمير الذى أصاب البيوت حينها، كما تعرض فى المتحف صور المفكرين والمثقفين الأرمن الذين قتلوا حينها، كذلك الصحف التى تناولت القضية وقتها وما بعدها، ومكتبة لبيع المصادر والكتب حول إبادة الأرمن والوقائع التاريخية الصادمة والمآسى التى تعرضوا لها على مدار تاريخهم.”

Share This