أرمينيا وروسيا: الاستقلال والحديقة الخلفية

 

أزتاك العربي- كتب شاهر الحاج جاسم في صحيفة (الحياة) مقالة بعنوان “أرمينيا وروسيا: الاستقلال والحديقة الخلفية”، أشار فيه الى أنه منذ تسلم نيكول باشينيان، رئاسة وزراء أرمينيا في أيار (مايو) الماضي، بدات تظهر ملامح التغيير، وبصمات باشينيان، في رسم فصل جديد لمستقبل هذا البلد الصغير والفقير في القوقاز، في ظل الكثير من المعوقات والاحباط الذي اصاب الأرمن خلال العقود الماضية، نتيجة الفساد اللا منتهي ،مع تدني المستوى المعيشي.
نيكول باشينيان، البالغ من العمر 43 عاما، هو الصحافي الذي طالما اشتهر بمعارضته للحزب الحاكم الموالي لروسيا انذاك، ودعواته المستمرة لمحاربة الفساد المستشري في مفاصل الدولة، والتقارب مع الغرب على حساب العلاقة مع روسيا .
دفعت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية السيئة للأرمن، للخروج في تظاهرات ضخمة مناهضة لحكومة سيرج سركيسيان، ما أتاح لباشينيان الفرصة، بتسلم مقاليد السلطة، ووضع بلاده على عتبة مرحلة جديدة من تاريخها السياسي.
كما استطاع باشينيان، منذ اللحظة الأولى لقيادته حركة التظاهر، ثم تسلمه منصب رئاسة الحكومة الأرمينية، عدم اثارة حفيظة موسكو، بل طلب مساعدة روسيا في الحفاظ على استقرار أرمينيا.
وأثناء مقابلة صحافية، قال باشينيان: « إن علاقاتنا مع روسيا لها مكانة وأهمية خاصة، ونأمل أن نجعلها أكثر فعالية في المستقبل». وأضاف: « يجب أن تكون علاقاتنا على مستوى أعلى من ذلك بكثير، يجب أن تكون أكثر إستراتيجية ، اكثر تعاونا وأخوة أكثر بكثير».

إصرار باشينيان باستمرار، على تأكيد ان الإجراءات المتخذة، والتغيرات الجارية في بنية الدولة هدفها محاربة الفساد والسعي نحو تقدم أرمينيا، وليست ضد روسيا او مصالحها، نابع من ادراكه الجيد للواقع الجيوسياسي لبلاده، لاسيما حالة اللاحرب واللاسلم مع أذربيجان، والعلاقات المنقطعة مع الجارة تركيا.

بالنسبة ليريفان، يعد الوجود العسكري الروسي ذا أهمية قصوى وضامن لها في الوقت ذاته، لاسيما وجودها بين قوتين على عداء معهما «أذربيجان وتركيا»، ومشكلة إقليم ناغورني كاراباخ المعقدة، ناهيك عن الأهمية الاقتصادية، والاتفاقيات والمعاهدة الدولية التي تربط أرمينيا بموسكو, وتقيدها لسنوات طويلة.

كانت الملفات الاقتصادية والأمنية وإعادة هيكلة الأجهزة و المؤسسات الحكومية، في مقدمة اهتمامات باشينيان، وهو مادفعه لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، للتخلص من سيطرة حزب رئيس الوزراء السابق سيرج سركيسيان «الحزب الجمهوري» على اغلبية المقاعد البرلمانية.

حيث تمكن التحالف الانتخابي الذي يقوده، نيكول باشينيان، من تحقيق فوز ساحق في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 10 كانون الأول (ديسمبر )الماضي، بالحصول على ما يقارب الـ 70 بالمئة من نسبة الأصوات، ثم تلاه حزب «أرمينيا المزدهرة» في المركز الثاني، اما الحزب الجمهوري فلم يستطع الحصول على أي مقعد برلماني، وهو ما اعتبر بخسارة مدوية.

يرى المراقبون ان المناورة السياسية التي اجرها باشينيان، عززت من قدرته في السيطرة الكاملة على البلاد، وأعطته المزيد من الصلاحيات لتحريك دفة القيادة بحرية أكبر واوسع.

اكتسب باشينيان شعبيته الواسعة من خلال الوعود التي قدمها للشعب الأرميني بتحسين الوضع المعيشي، ومحاربة الفساد، وجذب الاستثمارات الأجنبية لتحريك العجلة الاقتصادية في هذا البلد الفقير. حيث صرح خلال حملته الانتخابية البرلمانية الماضية, قائلا: «سنحول أرمينيا الى بلد صناعي بتقنية عالية ونوجهها نحو التصدير».

وهنا يكمن التحدي الأخطر على باشينيان، فالوصول الى السلطة لا يكفي، بل من الضروري الاحتفاظ بها وإدارتها بكفاءة عالية، فالشعارات الوطنية شيء، والواقع وتحدياته شيء أخر، فهو قد يجد نفسه عاجزا عن إجراء الإصلاحات المطلوبة لتقدم البلاد، لاسيما انه سوف يصطدم بنفوذ رجال النظام القديم قبل النفوذ الدولي، وعلى وجه الخصوص روسيا.
بالرغم من نجاح باشينيان حتى الان في عدم مواجهة روسيا واغضابها، لكن النفوذ الروسي كبير، بالإضافة الى السيطرة الكاملة على المنشأت الحيوية لأرمينيا، سيؤدي الأمر عاجلا ام أجلا الى الصدام المباشر مع الكرملين.
تعي موسكو ان يريفان بحاجة إلى روسيا، اكثر من حاجة روسيا الى أرمينيا و ذلك بحسب الكثير من المراقبين، لكن فقدانها يعني فقدان حديقة من حدائقها الخلفية في الفناء السوفياتي السابق، وهو ما قد يؤثر في المدى البعيد على نفوذها وقدرتها في المناورة وفرض رايها كقوة دولية في الساحة العالمية عموما والسوفياتية السابقة خصوصا.
بالإضافة الى ذلك، تعتبر أرمينيا حليفاً استراتيجياً لموسكو، وعضواً في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي، كما لا تزال أرمينيا تلعب دورا هاما في منع الناتو من التوسع في جنوب القوقاز.
الواضح ان الثوراث الملونة التي حدثت في أوكرانيا وجورجيا، لا تزال في مخيلة باشينيان، وهو ما يجعله يحاول تجنيب بلاده الدخول في نفق الصراعات والتفتيت، فالوضع في أرمينيا أضعف من ان يحتمل ما جرى في أوكرانيا وجورجيا.
ويبقى العامل الزمني هو المعيار، لمعرفة ما اذا كان باشينيان سوف ينجح في مهمته ويستطيع نقل بلاده نقله نوعية، وعلى وجه الخصوص في المجال الاقتصادي.

Share This