السوريون الأرمن ليسوا عابري سبيل على الأرض السورية.. كتاب “تحدي البقاء” للباحث ليون زكي

السوريون الأرمن ليسوا عابري سبيل على الأرض السورية.. كتاب “تحدي البقاء” للباحث ليون زكي

 

أزتاك العربي- نشرت الـ(اندبندنت عربية) حواراً أجراه مصطفى رستم مع الباحث ورئيس مجلس الأعمال السوري الأرمني ليون زكي.

وأشير في بداية الحوار أن الباحث السوري من أصل أرمني ليون زكي، تصدى لمحاولات تشويه صورة السوري الأرمني التي تعكف الماكينة الإعلامية على اعتباره ضيفاً على الأرض السورية أو أن أرمينيا هي موطنه الأساس، كاشفاً في كتابه الصادر حديثاً بعنوان “تحدي البقاء” (أرمن سوريا 2011 -2018) عن انتمائهم إلى وطنهم سوريا.

التغريبة الأرمنية

استهل سفير جمهورية أرمينيا في سوريا الدكتور آرشاك بودلايان، تقديم الكتاب وما تناوله الكاتب لحقبة مهمة من تاريخ السوريين من أصل أرمني وحضورهم في وطنهم سوريا، الذي استوطنوه في القرن الأول قبل الميلاد بخلاف ما يعتقد كثيرون بأن وجودهم فيه حكر على فترة الإبادة الأرمنية التي نفذتها الإمبراطورية العثمانية بحقهم في العام 1915.

ولم يغفل الكاتب رصد مفاعيل التغريبة الأرمنية الثانية وتداعياتها بسبب الحرب السورية واستهداف الأرمن من قبل بعض الأطراف لدفعهم إلى الشتات مجدداً، إلا أنه أكد مراراً أن أعينهم ظلت معلقة بمواطن سكنهم في سوريا، لاسيما حضنهم الدافئ حلب التي لا تفارق مخيلتهم وسيعودون إليها حتماً.

يضيف السفير بودلايان “تنقل ليون زكي ببراعة بين مواضيع سياسية تخدم موضوع كتابه الخاص بالسوريين الأرمن، راصداً المواقف والمبادرات السياسية التي تخدم غرضه من رحم الأزمة السورية خصوصاً دور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تأجيجها، وعدّ الإسلام المعتدل ضمانة وخياراً لا بد منهما لبقاء شركائهم في الأرض والمصير من المسيحيين والسوريين الأرمن المنحازين إلى سوريتهم وإلى وطن بحجم أحلامهم وجل همه عودة الأمن والاستقرار إلى سورية وإعادة إعمارها”.

سوريا الوطن

يستذكر مؤلف كتاب “تحدي البقاء” مواقف سياسية واجتماعية واقتصادية في تاريخ الأرمن في سوريا عبر فصول الكتاب مركزاً على دورهم الحيوي في وطنهم، ومعلناً أن السوريين من أصل أرمني ليسوا عابري سبيل على الأرض السورية، بل هم من صلب هويتها وترابها وينتمون إليها قلباً وقالباً ولم يكونوا يوماً جسراً لعبور أحلام وأجندة طرف من السوريين على حساب الطرف الآخر حتى خلال مآسي الحرب السورية.

“انحيازنا للوطن فقط ونقف على مساحة واحدة من جميع أطيافه وما يواسينا أننا لم نسعَ إلى الفتنة ولم ننجرّ إليها لأن وطننا من دون أن يتجزأ يتسع للجميع، إذا كان قدرنا نحن، المسحيين والسوريين الأرمن، أننا ولدنا في سوريا، فإن العيش فيها كان خيارنا واتخاذه وطناً أبدياً قراراً من صنع إرادتنا”.

أضاف زكي، الذي يرأس مجلس الأعمال السوري الأرمني، أن بقاء مسيحيي سوريا فيها منوط بانفتاح المسلمين الحكماء وحرصهم على بقاء شركائهم في البلاد كخيار إسلامي، وعلى النخب الإسلامية القيام بالواجب الأخلاقي تجاه شركائهم في المواطنة بما يؤمّن الظهور على الساحة الدولية بمظهر الأمة الحضارية المحترمة لحقوق الإنسان والجماعات.

عندما حزم السوريون الأرمن أمتعتهم وحقائب سفرهم وغادروا مقرات أعمالهم ومدينتهم حلب، وهي المدينة التي تتموضع فيها أكبر نسبة للأرمن في سوريا، لم يفكروا بالرحيل عنها ظناً منهم بأن المكوث بعيداً منها لن يطول، وأن عهدهم ووعدهم بالعودة سيتجددان مع طلوع شمس يوم قريب، ولم يكن في حسبانهم أن الفراق سيطول وأن الغربة ستطوي آمالهم وتشتت شملهم وتقذف بهم في عالم النسيان والضياع بعيداً من مهد طفولتهم وملعب صباهم ومستقبل أيامهم. “لم نعتد العيش من دون أمل بعدما طويت صفحات حاضرنا وغدا موعدنا مع مقبل أيامنا، بلا حنين إليها، أيقظتنا صدمة أزمتنا من زيف واقعنا الذي كنا نتشدق بتعايشه السمح وبتقديمنا الولاء والطاعة لواجباته قبل نيل حقوقنا، استفقنا على عالم كنا نعتقد بأنه يتسع لكل أطيافنا وفوجئنا بأنه لم يستوعب فئة قليلة منا”.

مستهدفون… ومضطرون للنزوح؟

شعر السوريون الأرمن وتيّقنوا منذ بداية عهدهم بمعركة حلب أنهم مستهدفون في شكل خاص واضطروا للنزوح جماعياً إلى الأحياء المجاورة، لكن سقوط الصواريخ المحلية الصنع على الأحياء، دفع 90 في المئة من عددهم إلى الرحيل عن المدينة.

وأشارت تقديرات ناشطين إلى أن أعداد المهجرين الأرمن من حلب حتى مطلع العام 2015 فاقت أكثر من ثلثي عددهم، نصفهم قصد لبنان والبقية توزعت بين أرمينيا ودول أخرى، وظل العدد في تزايد مع كل تصعيد عسكري أو مع اشتداد القذائف التي لاحقتهم إلى حيّي السليمانية والعزيزية حيث فضلوا السكن من جديد.

عدد قتلاهم في حلب وحدها جراء القذائف والخطف والقتل حينئذ بلغ 300، سقطوا دفاعاً عن بقائهم وإصرارهم على التمسك بمساكنهم وورشهم ومحالهم التجارية ولقمة عيشهم، دافعهم حبهم إلى الأرض السورية التي احتضنتهم في تغريبتهم.

الأرمن في سنوات الحرب

يرصد مؤلف كتاب “تحدي البقاء” تفاصيل سنوات الحرب التي مرّت على السكان الأرمن، وأفرد لمن قطن في حلب الكثير من الشرح، وظلّ الأرمن المتبقون في حلب متكافلين بعضهم ببعض ومتعاضدين مع بقية أطياف المجتمع وشرائحه في مصابهم كسابق عهدهم في السراء والضراء، ومرت الأشهر الأولى من العام 2016 قاسية ومفجعة على حلب وعلى حي الميدان خصوصاً بعد نقض اتفاق وقف الأعمال القتالية الذي سرى مفعوله في 27 فبراير (شباط) العام 2016 ثم انهياره بالكامل.

وأبدى الباحث زكي، أسفه وقلقه لما آلت إليه أحوال الحي الذي كانت تقطنه غالبية من السوريين الأرمن، إذ أصبح مهدداً جدياً بالزوال من خريطة حلب بفعل القصف المتجدد، والقذائف المتساقطة، وكتب “ودفعت أهالي بستان الباشا وجلّ قاطنيه من السوريين الأرمن إلى النزول إلى الأقبية هرباً من جحيم لا يطاق، اضطروا إلى الهرب الجماعي تحت وطأة كثافة قذائف الهاون والصواريخ والطلقات المتفجرة التي استخدمت على نطاق واسع وخلقت حالاً من الهلع والرعب في صفوف الساعين إلى الأمان”.

قريباً من خط التماس

بقيت أقلية من الأرمن صامدة فيه إلى جانب المهجرين من أبناء المدينة والريف الذين لم يجدوا في بقية أحيائها مأوى ملائماً سواه بعد نزوح معظم سكانه الأصليين، وأفادت شهادات قاطني الحي من السوريين الأرمن الذين ظلوا متمسكين بالبقاء فيه بأن الطوابق العلوية القريبة من خط التماس مع بستان الباشا دُمرت بالكامل، وأنه قلما يوجد بناء في الطرفين الشمالي والشمال الشرقي منه لم ينل حظه من القذائف والخراب إلى درجة أن معالم الحي تغيرت في شكل كامل وتراجعت خدماته إلى درجة كبيرة جراء تحوّله إلى ساحة حرب على الدوام.

إلا أن شوارع الحي البعيدة نسبياً عن خط التماس بقيت تنبض بالحياة من أناس غير قادرين على دفع فاتورة تكاليف العيش في أحياء ومناطق أكثر أمناً، خصوصاً إيجارات الشقق التي حلّقت إلى مستويات فلكية يعجز حتى الأغنياء عن سداد التزاماتها، فكل ما بوسع القذائف فعله إخلاء ساحة نزولها فترة لا تتجاوز نصف ساعة فقط، ثم لا يتردد السكان بإصرار على مواجهة الموت والقتل عن مزاولة حياتهم الطبيعية بارتياد المنطقة للتسوق أو لكسب قوت يومهم.

نبض الحياة في الحي

فقد السوريون الأرمن ممتلكاتهم في أهم حي حُوّلَ في وقت سابق للأزمة إلى مقصد خدميّ لا سيما في مجال إصلاح السيارات والآلات وتوفير قطع الغيار الصناعية، ويلتقط الباحث تفاصيل حياة الحي الأرمني وكيف كانت حاله في حرب تأثر بها كثيراً.

جلّ ما خشيه هؤلاء وفق المؤلف تسوية الحي بالأرض إذ لم يعد في الإمكان إصلاح الأضرار التي لحقت بمبانيه ومحاله ومرافقه، إلا بعد هدمه بالكامل وهو ما يتوجب سداد مبالغ طائلة لإعادة الإعمار من جديد عدا عن الجهد الكبير والوقت الطويل اللذين تستلزمهما العملية في حال توقفت رحى الحرب الهوجاء.

الهجرة… بحثاً عن الأمان

بحلول يونيو (حزيران) العام 2016 بقي ثلث السوريين الأرمن في وطنهم سوريا بعد مضي أكثر من خمس سنوات على الحرب الظالمة في البلاد، وعلى الرغم من الموت المحدق بهم بسبب تمسكهم بها، وظل حوالي 34 ألف سوري أرمني من أصل 100 ألف تعدادهم الفعلي في سوريا قبل اندلاع الحرب.

ويخلص الباحث ليون زكي في كتابه، إلى حقيقة مفادها أن دافع الهجرة الوحيد لأرمن سوريا هو الأمان، وأن الدوافع الاقتصادية على أهميتها لم تلعب دوراً في تهجيرهم، وأنهم في أصقاع الأرض على موعد دائم ومتجدد بالعودة إلى وطنهم، وبانتظار بصيص أمل في وقف الاقتتال وحقن الدماء وأنهم سيعيدون بناءه وسيسهمون في نهضته من جديد كعهدهم منذ استيطانه إثر الإبادة الأرمنية على يد الأتراك.

Share This